الاطلاق لا يكون تضييقاً على المكلف كما هو ظاهر ، فلا معنى لجريان البراءة العقلية أو النقلية فيه ، فانّه لا يحتمل العقاب في صورة الاطلاق حتّى ندفعه بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أو بحديث الرفع ، فتجري البراءة العقلية في التقييد بلا معارض. وقد ذكرنا مراراً (١) أنّ تنجيز العلم الاجمالي موقوف على تعارض الاصول في أطرافه وتساقطها ، وأ نّه لو لم يجر الأصل في أحد طرفيه في نفسه لا مانع من جريانه في الطرف الآخر ، فلا يكون العلم الاجمالي منجّزاً. والمقام كذلك ، لما عرفت من أنّ الاطلاق توسعة على المكلف ، فلا يكون مورداً للبراءة في نفسه ، فتجري البراءة في التقييد بلا معارض ، نظير ما إذا علمنا إجمالاً بحرمة شيء أو إباحته ، فهذا العلم الاجمالي وإن كان طرفاه متباينين ، إلاّ أنّه حيث لا تجري البراءة العقلية ولا النقلية في طرف الاباحة ، لعدم احتمال العقاب فيه كي يدفع بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أو بحديث الرفع وأمثاله من الأدلة النقلية ، فيكون احتمال الحرمة مورداً لجريان البراءة العقلية والنقلية بلا معارض.
هذا ، وقد ذكر لجريان البراءة موانع :
منها : ما ذكره صاحب الكفاية (٢) قدسسره من استحالة انحلال العلم الاجمالي في المقام لاستلزامه الخلف وعدم نفسه. أمّا الأوّل : فلأنّ العلم بوجوب الأقل يتوقف على تنجّز التكليف مطلقاً ، أي على تقديري تعلّقه بالأقل وتعلّقه بالأكثر ، فلو كان وجوبه على كل تقدير مستلزماً لعدم تنجّزه فيما إذا كان متعلقاً بالأكثر كان خلفاً. وأمّا الثاني : فلأ نّه يلزم من وجود الانحلال عدم تنجّز التكليف على تقدير تعلّقه بالأكثر ، وهو مستلزم لعدم وجوب الأقل على
__________________
(١) كما في ص ٤٠٤
(٢) كفاية الاصول : ٣٦٤