والاشكال المذكور وارد لا مدفع له في هذه الموارد ، ولا يفيد ما ذكره صاحب الكفاية في مقام الجواب عنه من أنّ نسبة حديث الرفع إلى أدلة الأجزاء والشرائط هي نسبة الاستثناء إلى المستثنى منه ، وذلك لأنّ النسبة المذكورة إنّما تتمّ بعد ما دلّ دليل على وجوب البقية ، والكلام فعلاً في وجود هذا الدليل ، ولا يمكن إثباته ، أي إثبات وجوب البقية بنفس حديث الرفع ، فانّ مفاده نفي وجوب ما اضطرّ إليه ، لا إثبات وجوب بقية الأجزاء والشرائط ، فبعد رفع اليد عن الأدلة الأوّلية الدالة على المركب التام لأجل الاضطرار لم يبق دليل على وجوب البقية.
نعم ، لو دلّ دليل خاص على وجوب البقية في مورد كما في الصلاة فانّها لا تسقط بحال ، فهو المتبّع ، أو تمّت قاعدة الميسور كبرىً وصغرى ، فيعمل بها ، وإلاّ فيشكل الحكم بوجوب البقية كما في الصوم ، فانّه بعد الافطار في بعض أجزاء اليوم لأجل الاضطرار لا دليل على وجوب الامساك في بقية أجزاء ذلك اليوم. وأوضح منه الوضوء فيما لم يكن الماء كافياً لغسل جميع الأعضاء ، فانّه لا دليل على وجوب غسل بعض الأعضاء دون بعض آخر ، وسيجيء التعرّض لتفصيل ذلك في محلّه (١) إن شاء الله تعالى. وقد عرفت أنّ كل ذلك أجنبي عن المقام ، لأنّ العلم الاجمالي بوجوب الأقل المردد بين كونه بنحو الاطلاق أو التقييد كافٍ في إثبات وجوبه بلا حاجة إلى دليل آخر.
بقي الكلام في الاستصحاب ، فقد تمسّك به للاشتغال مرّة وللبراءة اخرى.
أمّا التمسّك به للاشتغال فتقريبه : أنّ التكليف متعلق بما هو مردد بين الأقل والأكثر ، فالواجب مردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع ،
__________________
(١) في التنبيه الأوّل والثالث ، ص ٥٣٢ و ٥٤٦