لما تقدّم (١) من أنّ الاطلاق توسعة لا منّة في رفعه فلا يكون مشمولاً لأدلة البراءة الشرعية.
وإن اريد به استصحاب عدم جعل العدل للواجب المعلوم في الجملة ، ففيه أوّلاً : انّه معارض باستصحاب عدم جعل الوجوب التعييني لما يحتمل وجوبه تعييناً. وثانياً : أنّه لا يثبت الوجوب التعييني بالاستصحاب المذكور إلاّعلى القول بالأصل المثبت ولا نقول به.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام : أنّه لا وجه للقول بالتعيين في هذا القسم من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وأنّ المرجع هو البراءة عن وجوب الاتيان بخصوص ما يحتمل كونه واجباً تعييناً ، فتكون النتيجة هي الحكم بالتخيير.
ثمّ إنّ الحكم بالتخيير إنّما يتم فيما إذا كان المكلف متمكناً من الاتيان بما يحتمل كونه واجباً تعيينياً ، ليدور أمر الوجوب الفعلي الثابت في الجملة بين التعيين والتخيير. وأمّا إذا لم يتمكن من ذلك فالشك في كون الوجوب المجعول تعيينياً أو تخييرياً يرجع إلى الشك في تعلّق الوجوب الفعلي بما يحتمل كونه عدلاً ، ولا يحكم حينئذ بالتخيير ليترتب عليه الوجوب المذكور ، بل يرجع إلى أصالة البراءة عنه ، لأنّه مجهول وكان العقاب على مخالفته عقاباً بلا بيان ، هذا كلّه في القسم الأوّل من دوران الأمر بين التخيير والتعيين.
وأمّا القسم الثاني : وهو دوران الأمر بين التخيير والتعيين في الحجّية ، فيحكم فيه بالتعيين ، لأنّ ما علم بحجّيته المرددة بين كونها تعيينية أو تخييرية قاطع
__________________
(١) في ص ٥٠٨