للعذر في مقام الامتثال ومبرئ للذمّة بحسب مقام الظاهر يقيناً ، وأمّا الطرف الآخر المحتمل كونه حجّة على نحو التخيير ، فهو محكوم بعدم الحجّية عقلاً وشرعاً ، لما عرفت في أوّل بحث حجّية الظن (١) من أنّ الشك في الحجّية بحسب مقام الجعل مساوق للقطع بعدم الحجّية الفعلية ، فكل ما شكّ في حجّيته لشبهة حكمية أو موضوعية لا يصحّ الاعتماد عليه في مقام العمل ، ولا يصح إسناد مؤداه إلى المولى في مقام الافتاء ، فتكون النتيجة هي الحكم بالتعيين.
وأمّا القسم الثالث : وهو ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم ، فالحق فيه أيضاً هو الحكم بالتعيين ، وتحقيق ذلك يستدعي ذكر أمرين :
الأوّل : أنّ التزاحم في مقام الامتثال يوجب سقوط أحد التكليفين عن الفعلية لعجز المكلف عن امتثالهما ، ويبقى الملاكان في كلا الحكمين على حالهما ، إذ المفروض أنّ عجز المكلف هو الذي أوجب رفع اليد عن أحد الحكمين في ظرف امتثال الآخر ، وإلاّ كان الواجب عليه امتثالهما معاً لتمامية الملاك فيهما.
الثاني : أنّ تفويت الملاك الملزم بعد إحرازه بمنزلة مخالفة التكليف الواصل في القبح واستحقاق العقاب بحكم العقل ، ولا يرتفع قبحه إلاّبعجز المكلف تكويناً أو تشريعاً ، كما إذا أمره المولى بما لا يجتمع معه في الخارج ، فما لم يتحقق أحد الأمرين يحكم العقل بقبح التفويت واستحقاق العقاب عليه.
إذا عرفت هذين الأمرين فنقول : إذا كان أحد الواجبين المتزاحمين معلوم الأهمّية فلا محالة يكون التكليف الفعلي متعلقاً به بحكم العقل ، والملاك في الطرف الآخر وإن كان ملزماً في نفسه ، إلاّأنّ تفويته مستند إلى عجزه تشريعاً ، لأنّ
__________________
(١) في ص ١٢٨