مبحث الاصول العملية (١). ونتكلّم فيه هناك إن شاء الله تعالى.
قطع القطّاع
وليعلم أنّه ليس المراد من القطّاع من يحصل له القطع كثيراً ، لكونه عالماً بالملازمات في غالب الأشياء بالفراسة الفطرية أو بالاكتساب ، إذ قطعه حاصل من المبادئ المتعارفة التي لو اطّلع غيره عليها حصل له القطع أيضاً ، غاية الأمر أنّه عارف بتلك المبادئ دون غيره ، بل المراد من القطّاع من يحصل له القطع كثيراً من الأسباب غير العادية ، بحيث لو اطّلع غيره عليها لا يحصل له القطع منها.
إذا عرفت المراد من القطّاع ، فاعلم أنّه ربّما يقال بعدم الاعتبار بقطعه ، ولكن الصحيح خلافه ، لما عرفت سابقاً (٢) من أنّ حجّية القطع ذاتية لا تنالها يد الجعل إثباتاً ونفياً ، فهي غير قابلة للتخصيص بغير القطّاع. هذا في القطع الطريقي.
وأمّا القطع الموضوعي فأمره سعةً وضيقاً وإن كان بيد المولى ، فله أن يجعل موضوع حكمه نوعاً خاصاً من القطع ، وهو القطع الحاصل من الأسباب المتعارفة العادية ، إلاّ أنّه لا أثر في ذلك ، إذ القاطع وإن كان ملتفتاً إلى حاله في الجملة ، وأنّ قطعه قد يحصل من سبب غير عادي ، إلاّ أنّه لا يحتمل ذلك في كل قطع بخصوصه ، لأنّ القاطع بشيء يرى أنّ قطعه حصل من سبب ينبغي حصوله منه ، ويخطّئ غيره في عدم حصول القطع له من ذلك السبب ، فلا أثر للمنع عن العمل بالقطع الحاصل من سبب غير عادي بالنسبة إلى القطّاع.
__________________
(١) راجع ص ٤٠٤ وما بعدها
(٢) في ص ١٥