بقي الكلام في جهات لا بدّ لنا من التعرّض لها :
الجهة الاولى : في مقدار الفحص ، فهل يجب الفحص بمقدار يحصل العلم بعدم الدليل ، أو يكفي الاطمئنان ، أو يكفي مجرد الظن بالعدم؟ وجوه خيرها أوسطها.
أمّا عدم وجوب تحصيل العلم فلعدم الدليل عليه. مضافاً إلى كونه مستلزماً للعسر والحرج ، بل موجب لسدّ باب الاستنباط ، لعدم حصول القطع بعدم الدليل عادةً وإن أصرّ في الفحص. وأمّا عدم اعتبار الظن فلعدم الدليل على اعتباره ، فهو لا يغني عن الحق شيئاً.
فتعيّن الوسط وهو كفاية الاطمئنان لكونه حجّة ببناء العقلاء ، ولم يردع عنه الشارع. وأمّا تحقق الصغرى لهذه الكبرى ، أي حصول الاطمئنان بعدم الدليل ، فهو سهل لمن تصدّى لاستنباط الأحكام الشرعية فعلاً ، فانّ المتقدمين من العلماء أتعبوا أنفسهم الشريفة ورتّبوا الأخبار وبوّبوها ، فبالرجوع إلى أخبار باب وبعض الأبواب الاخرى المناسبة لهذا الباب يحصل الاطمئنان. ولولا هذا الترتيب والتبويب لكان اللاّزم هو الفحص في كتب الأخبار من أوّلها إلى آخرها لتحصيل الاطمئنان في مسألة واحدة.
الجهة الثانية : بعد ما عرفت وجوب تعلّم الأحكام الشرعية والفحص عنها ، وقع الاشكال في أنّ وجوبه طريقي لا يترتب العقاب عند تركه إلاّعلى مخالفة الواقع كما هو المشهور ، أو نفسي يعاقب العبد على تركه ولو لم يخالف الواقع ، كما عن المحقق الأردبيلي (١) قدسسره وصاحب المدارك (٢) ومال إليه صاحب الكفاية (٣) قدسسره في آخر كلامه. وقبل الشروع في تحقيق المقام وبيان
__________________
(١) ، مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠ ومدارك الأحكام ٣ : ٢١٩ ، ولمزيد الاطّلاع راجع فرائد الاصول ٢ : ٥١٣
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠ ومدارك الأحكام ٣ : ٢١٩ ، ولمزيد الاطّلاع راجع فرائد الاصول ٢ : ٥١٣
(٣) كفاية الاصول : ٣٧٧