والذي ينبغي أن يقال : إنّه إن كانت القدرة المعتبرة في مثل هذا الواجب معتبرة عقلاً من باب قبح التكليف بغير المقدور وغير دخيلة في الملاك ، كما إذا ألقى أحد نفسه من شاهق إلى الأرض ، فانّه أثناء الهبوط إلى الأرض وإن لم يكن مكلفاً بحفظ نفسه ، لعدم قدرته عليه ، إلاّأنّ قدرته ليست دخيلة في الملاك ، ومبغوضية الفعل للمولى باقية بحالها ، ففي مثل ذلك لا ينبغي الشك في وجوب التعلّم قبل الوقت للتحفظ على الملاك الملزم في ظرفه ، وإن لم يكن التكليف فعليّاً في الوقت ، لما تقدّم سابقاً (١) من أنّ العقل يحكم بقبح تفويت الملاك الملزم ، كما يحكم بقبح مخالفة التكليف الفعلي.
وإن كانت القدرة معتبرة شرعاً ودخيلة في الملاك ، فلا يجب التعلّم قبل الوقت حينئذ ، بلا فرق بين القول بوجوبه طريقياً والقول بوجوبه نفسياً. أمّا على القول بالوجوب الطريقي فالأمر واضح ، إذ لا يترتب على ترك التعلّم فوات واجب فعلي ولا ملاك ملزم. وأمّا على القول بالوجوب النفسي ، فلأنّ الواجب إنّما هو تعلّم الأحكام المتوجهة إلى شخص المكلف ، والمفروض أنّه لم يتوجّه إليه تكليف ولو لعجزه ، ولا يجب على المكلف تعلّم الأحكام المتوجهة إلى غيره ، وهو القادر ، ولذا لا يجب على الرجل تعلم أحكام الحيض.
وظهر بما ذكرناه : أنّه لا ثمرة عملية بيننا وبين المحقق الأردبيلي قدسسره إذ قد عرفت عدم وجوب التعلّم في هذا الفرض على كلا القولين ، فلا يجدي الالتزام بالوجوب النفسي في دفع الاشكال المذكور ، بل الحق هو الالتزام بالاشكال وعدم وجوب التعلّم ، ولا يلزم منه محذور.
الجهة الثالثة : هل يختص وجوب التعلّم بما إذا علم المكلف تفصيلاً أو إجمالاً أو اطمأنّ بابتلائه بما لا يعلم حكمه ، كحكم الشكوك المتعارفة التي يعمّ بها
__________________
(١) في ص ٥٣٠