العقل ـ يتصوّر على أقسام ثلاثة :
الأوّل : أن يدرك العقل وجود المصلحة أو المفسدة في فعل من الأفعال ، فيحكم بالوجوب أو الحرمة ، لتبعية الأحكام الشرعية للمصالح والمفاسد عند أكثر الإمامية والمعتزلة.
الثاني : أن يدرك العقل الحسن أو القبح ، كادراكه حسن الطاعة وقبح المعصية ، فيحكم بثبوت الحكم الشرعي في مورده ، لقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
الثالث : أن يدرك العقل أمراً واقعياً مع قطع النظر عن ثبوت شرع وشريعة ، نظير إدراكه استحالة اجتماع النقيضين أو الضدّين ، ويسمى بالعقل النظري ، وبضميمة حكم شرعي إليه يكون بمنزلة الصغرى ، يستكشف الحكم الشرعي في مورده.
أمّا القسم الأوّل : فالصحيح أنّه غير مستلزم لثبوت الحكم الشرعي ، إذ قد تكون المصلحة المدركة بالعقل مزاحمة بالمفسدة وبالعكس ، والعقل لا يمكنه الاحاطة بجميع جهات المصالح والمفاسد والمزاحمات والموانع ، فبمجرد إدراك مصلحة أو مفسدة لا يمكن الحكم بثبوت الحكم الشرعي على طبقهما ، وهذا القسم هو القدر المتيقن من قوله عليهالسلام : «إنّ دين الله لا يصاب بالعقول» وقوله عليهالسلام : «ليس شيء أبعد من دين الله عن عقول الرجال» (١) فان كان مراد الأخباريين من عدم حصول القطع بالحكم الشرعي من المقدمات العقلية هذا المعنى فهو الحق.
وأمّا القسم الثاني : فهو وإن كان ممّا لا مساغ لانكاره ، فانّ إدراك العقل
__________________
(١) تقدّم الحديثان في ص ٢٦ فراجع