والأمارات ، فانّ طرق المجتهد إلى الأحكام هي الكتاب والسنّة ، وطريق المقلد هو فتوى المجتهد فقط ، وكما أنّ ظواهر الكتاب والسنّة حجّة للمجتهد ، كذلك ظاهر كلام المجتهد حجّة للمقلد ، فلا وجه لاختصاص المقسم بالمجتهد.
وأمّا المقام الثالث : فتوضيح الكلام فيه : أنّ المجتهد إذا التفت إلى حكم متعلق بمقلديه دون نفسه ـ سواء كان الحكم بجميع مراتبه مختصاً بغيره كالأحكام المختصة بالنساء ، أو بفعليته كأحكام الحج مع عدم كونه مستطيعاً ، وأحكام الزكاة مع عدم كونه مالكاً للنصاب ، ففي جميع ذلك ـ إن حصل له القطع بالحكم أو قام عنده طريق معتبر عليه أفتى به بلا إشكال فيه ، وإلاّ فله الرجوع إلى الاصول العملية والإفتاء بمؤداها.
وقد يستشكل في الرجوع إلى الاصول : بأنّ جريان الأصل موضوعه المكلف الشاك ، والمقلد الذي يتوجه إليه التكليف ليس له شك في الحكم ، لكونه غير ملتفت إليه ، فكيف يفتي المجتهد في حقّه بمؤدى الأصل ، والمجتهد وإن كان شاكاً إلاّأنّ التكليف غير متوجه إليه على الفرض ، فمن توجّه إليه التكليف غير شاك في الحكم ، ومن شكّ فيه لم يتوجه إليه التكليف ، فلا موضوع للرجوع إلى الأصل العملي.
وأجاب عنه شيخنا الأنصاري قدسسره : بأنّ المجتهد نائب عن المقلد في إجراء الأصل ، فيكون الشك من المجتهد بمنزلة الشك من المقلد (١).
وفيه : أنّه لا دليل على هذه النيابة ، وأدلة الاصول العملية لا عموم لها للشك النيابي.
والتحقيق في الجواب أن يقال : إن كان الحكم ممّا يلتفت إليه المقلد أيضاً
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٥٤٥