الثاني : أنّ مفاد لا ضرر ـ على ما سيجيء بيانه (١) ـ إنّما هو نفي الحكم الضرري أو نفي الموضوع الضرري ، بأن يكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع على اختلاف بين الشيخ وصاحب الكفاية قدسسرهما والضرر في مورد ثبوت حقّ الشفعة إنّما يأتي من قبل بيع الشريك حصّته ، فلو كان ذلك مورداً لقاعدة لا ضرر لزم الحكم ببطلان البيع ، ولو كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار ، بأن يردّ المبيع إلى البائع. وأمّا جعل حقّ الشفعة لجبران الضرر وتداركه ، بأن ينقل المبيع إلى ملكه فليس مستفاداً من أدلة نفي الضرر ، فانّها لا تدل على جعل حكم يتدارك به الضرر ، غايتها نفي الحكم الضرري على ما سيجيء بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
وأمّا الرواية الثانية : فالشاهد فيها أيضاً أمران : الأوّل : أنّ الضرر لا ينطبق على منع المالك فضل ماله عن الغير ، إذ من الواضح أنّ منع المالك غيره عن الانتفاع بماله لا يعدّ ضرراً على الغير ، غايته عدم الانتفاع به. وسيجيء (٢) أنّ عدم الانتفاع لا يعدّ ضرراً. الثاني : أنّ النهي في هذا المورد تنزيهي قطعاً ، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة ، فلا يندرج تحت كبرى قاعدة لا ضرر بجميع معانيها.
الجهة الثانية : في فقه الحديث ومعناه ، إنّ في هاتين الجملتين ثلاث كلمات : ضرر ، وضرار ، وكلمة لا ، فلنشرح كل واحدة ليعلم المراد التركيبي منها :
أمّا الضرر : فهو اسم مصدر من ضرّ يضرّ ضرّاً ، ويقابله المنفعة لا النفع كما في الكفاية (٣) ، لأنّ النفع مصدر لا اسم مصدر ، ومقابله الضر لا الضرر ، كما في قوله تعالى : «لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا» (٤) والفرق بين المصدر
__________________
(١) في ص ٦١١ و ٦١٥
(٢) في الجهة الثانية
(٣) كفاية الاصول : ٣٨١
(٤) الرعد ١٣ : ١٦