أنّ مفاد نفي الحرج في عالم التشريع هو نفي الحكم الحرجي (١).
وهذا هو الصحيح ، ولا يرد عليه شيء ممّا كان يرد على الوجوه المتقدمة ، فيكون الحديث الشريف دالاًّ على نفي جعل الحكم الضرري ، سواء كان الضرر ناشئاً من نفس الحكم كلزوم البيع المشتمل على الغبن ، أو ناشئاً من متعلقه كالوضوء الموجب للضرر ، فاللزوم مرتفع في الأوّل والوجوب في الثاني.
الجهة الثالثة : في انطباق قاعدة نفي الضرر على ما ذكر في قصّة سمرة بن جندب ، فربّما يقال بعدم انطباقها عليه ، لأنّ الضرر في تلك القضيّة لم يكن إلاّ في دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذان. وأمّا بقاء عذقه في البستان فما كان يترتب عليه ضرر أصلاً ، ومع ذلك أمر النبي صلىاللهعليهوآله بقلع العذق ، فالكبرى المذكورة فيها لا تنطبق على المورد ، فكيف يمكن الاستدلال بها في غيره.
وأجاب عنه المحقق النائيني قدسسره (٢) بما حاصله : أنّ دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذان إذا كان ضررياً ، فكما يرتفع هذا الضرر بمنعه عن الدخول بغير استئذان ، كذلك يرتفع برفع علّته وهي ثبوت حق لسمرة في إبقاء عذقه في البستان ، فلأجل كون المعلول ضررياً رفعت علّته ، كما إذا كانت المقدمة ضررية ، فانّه كما ينتفي وجوب المقدمة كذلك ينتفي وجوب ذي المقدمة ، فإذا كان على المكلف غسل ولم يكن الغسل بنفسه موجباً للضرر عليه ، ولكن كانت مقدمته كالمشي إلى الحمام مثلاً ضررياً ، فلا إشكال في رفع وجوب ذي المقدمة وهو الغسل ، كرفع وجوب المقدمة وهي المشي إلى الحمام ، فلا مانع من
__________________
(١) رسائل فقهية : ١١٤ و ١١٦ ، فرائد الاصول ٢ : ٥٣٤ (باختلاف يسير في المضمون)
(٢) منية الطالب ٣ : ٣٩٨