مع أنّ الاضطرار والاكراه كليهما مذكوران في حديث الرفع ، لأنّ رفع الحكم عن بيع المضطر منافٍ للامتنان عليه ، فلا يكون مشمولاً لحديث الرفع ، بخلاف بيع المكره فانّ الرفع فيه لا يكون منافياً للامتنان عليه ، بل يكون امتناناً عليه ، فيكون مشمولاً لحديث الرفع. وهذا هو الوجه في التفكيك بين بيع المضطر والمكره في الحكم بصحّة الأوّل وفساد الثاني.
وأمّا الأحكام المجعولة في الديات والحدود والقصاص والحج والجهاد ، فهي خارجة عن قاعدة لا ضرر بالتخصص لا بالتخصيص ، لأنّها من أوّل الأمر جعلت ضررية لمصالح فيها ، كما قال سبحانه وتعالى : «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ» (١) وحديث لا ضرر ناظر إلى العمومات والاطلاقات الدالة على التكاليف التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ضررية ، ويقيدها بصورة عدم الضرر على المكلف ، فكل حكم جعل ضررياً بطبعه من أوّل الأمر لا يكون مشمولاً لحديث لا ضرر ، فلا يحتاج خروجه إلى التخصيص.
وأمّا الخمس فتشريعه لا يكون ضرراً على أحد ، لأنّ الشارع لم يعتبره مالكاً لمقدار الخمس ، حتّى يكون وجوب إخراجه ضرراً عليه ، بل اعتبره شريكاً مع السادة ، غاية الأمر أنّه يصدق عدم النفع أو قلّة النفع. وعدم النفع لا يكون ضرراً ، فمثله مثل الولد الذي مات أبوه وكان له أخ شريك معه في ميراث أبيه فانّه لا يصدق الضرر عليه. نعم ، في باب الزكاة يصدق الضرر لتعلّق الزكاة بما كان ملكاً له ، فانّه كان مالكاً للنصاب وبعد تمام الحول في زكاة الأنعام وزكاة النقدين يتعلّق الزكاة بملكه. وكذا الحال في زكاة الغلات فانّه
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٧٩