أصلاً ، غاية الأمر أنّ العلم دخيل في تنجز التكليف ، فلا يصحّ العقاب على المخالفة إلاّمع العلم بالتكليف.
وبالجملة : فعليّة الحكم تابعة لفعلية موضوعه ، وليس العلم مأخوذاً في موضوعه كي تكون فعليته متوقفة عليه ، لما دلّ عليه الدليل من اشتراك التكليف بين العالم والجاهل مضافاً إلى ما تقدّم (١) من عدم إمكان أخذ العلم بالحكم في موضوعه.
فتحصّل : أنّ ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره لا يفيد في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ، ولا في إثبات إمكان الترخيص في أطراف العلم الاجمالي ، لكونه مبنياً على كون العلم دخيلاً في فعلية الحكم ، وقد ظهر بما ذكرناه عدم دخله في فعلية الحكم أصلاً. والصحيح عدم إمكان جعل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي ، ولا يقاس المقام بجعل الحكم الظاهري في الشبهة البدوية. وتحقيق ذلك يقتضي التكلم في وجه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بمقدار يتّضح به عدم صحّة قياس المقام به ، وتفصيله موكول إلى محلّه (٢).
فنقول : إنّ الأحكام الشرعية لا مضادة بينها في أنفسها ، إذ الحكم ليس إلاّ الاعتبار ، أي اعتبار شيء في ذمة المكلف من الفعل أو الترك. ومن الواضح عدم التنافي بين الامور الاعتبارية ، وكذا لا تنافي بين إبرازها بالألفاظ ، بأن يقول المولى : افعل كذا ولا تفعل كذا ، كما هو ظاهر.
إنّما التنافي بينها في موردين : الأوّل : في المبدأ. الثاني : في المنتهى. والمراد
__________________
(١) في ص ٤٧
(٢) في ص ١٢٥ وما بعدها