وذلك أن بعض تلاميذه لامه على ما يفعل من المضرة بقومه ، فانتهره ونفخ في وجهه ، فأظلم عليه بصره فرفع التلميذ أمره إلى وزير الملك ، فعرف الوزير الملك بالامر ، فأمر الملك بادخال التلميذ إليه ، فدخل وعرفه بصورة الحال ، فأنفذ الملك إلى الساحر جيشا ليأتوه به ، فلما نظر الساحر إلى القوم مقبلين إليه دخن بدخنة أغشت أبصارهم ، وارتفعت منها عجاجة صارت نارا مضرمة حالت بينهم وبين الساحر ، فهالهم أمره وخافوا على أنفسهم منه فرجعوا إلى ملكهم ، وعرفوه بما جرى ، فأمر الملك باحضار جميع السحرة.
وكان رسم السحرة عندهم أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا أبدا معهم ولا يخالفوهم ولا يقصدوهم بمكروه ولا يبغونهم الغوائل ، فمن فعل ذلك منهم سلب منزلته وما يملكه ، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته ، وكانوا مع الملوك على هذه الحالة ، وكانوا مع ذلك يوفون بعهدهم ولا ينقضون شيئا من عهدهم.
فلما اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر ، وكان يقال له أجناس وما فعله من الفساد ونقضه للعهد ، وقال لهم إن لم تحضروه أهلكت جميعكم ، فسألوه النظر في الامر ، فأخذ أولادهم ونساءهم رهائن بذلك وأنظرهم.
فلما خرجوا من عنده تكلموا بينهم وقالوا إنكم تعلمون كثره علم أجناس وشدة سحرة ، وانا ما لنا به طاقة ، ومناوس الملك هو الذي نقض عهده ، وتعدى عليه وغصبه امرأته ، فينبغي لنا أن نخلص أنفسنا منه ، فأجمعوا أمرهم على أن ينصرفوا إلى الملك واستأذنوه في الذهاب إليه ومداراته وتوبيخه والرفق به حتى يأتوا به الملك بأمان يأخذونه له منه ، فيجدد العهد بينه وبين الملك ، ففعلوا ذلك وأجابهم الملك إلى ما سألوه من ذلك ، ثم مضوا إلى أجناس ولطفوا به ، وقالوا له إنا ما نجهل حقك وعظم أمرك وإنا بقدرك