عليه ، فيقول في الجواب كذا احب إلى ، وانما يريد ما ذكرناه من السهولة والخفة. والوجه الآخر : انه اراد ان توطيني نفسي وتصبيري لها على السجن احب الي من مواقعة المعصية. فان قيل : هذا خلاف الظاهر لانه مطلق وقد اضمرتم فيه. قلنا : لابد من مخالفة الظاهر ، لان السجن نفسه لا يجوز ان يكون مرادا ليوسف (ع) ، وكيف يريده وانما السجن البنيان المخصوص ، وإنما يكون الكلام ظاهره يخالف ما قلناه ، إذا قرأ : رب السجن (بفتح السين) وان كانت هذه القراءة ايضا محتملة للمعنى الذي ذكرناه ، فكأنه أراد ان سجني نفسي عن المعصية احب إلى من مواقعتها. فرجع معنى السجن إلى ويشقان : بمعنى يثقلان فعله دون افعالهم ، وإذا كان الامر على ما ذكرناه ، فليس للمخالف ان يضمر في الكلام ان كوني في السجن وجلوسي فيه احب الي ، بأولى ممن اضمر ما ذكرنا ، لان كلا الامرين يعود إلى السجن ويتعلق به. فان قيل : كيف يقول السجن احب الي مما يدعونني إليه وهو لا يحب ما دعوه إليه على وجه من الوجوه ، ومن شأن هذه اللفظة ان تستعمل بين شيئين مشتركين في معناها. قلنا : قد تستعمل هذه اللفظة فيما لا اشتراك فيه ، ألا ترى ان من خير بين ما يكرهه وما يحبه ساغ له ان يقول : هذا احب الي من هذا ، وان يخير هذا احب الي من هذا ، إذا كان في محبته ، وإنما سوغ ذلك على احد الوجهين دون الآخر ، لان المخير بين الشيئين في الاصل لا يخير بينهما إلا وهما مرادان له أو مما يصح ان يريدهما. فموضوع التخيير يقتضى ذلك ، وان حصل فيما يخالف أصل موضوعه. ومن قال وقد خير بين شيئين لا يحب احدهما : هذا أحب الي ، انما يكون مجيبا بما يقتضيه اصل الموضوع في التخيير ، ويقارب ذلك قوله تعالى (قل اذلك خير ام جنة الخلد) ونحن نعلم انه لا خير في العقاب ، وانما حسن القول لوقوعه التقريع