(لا تخف انك انت الاعلى). تنزيه موسى عن نسبة الاضلال لله تعالى : (مسألة) : فإن قال : فما معنى قوله تعالى حاكيا عن موسى (ع) : (ربنا انك اتيت فرعون وملاه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم). (الجواب : قلنا : أما قوله تعالى (ليضلوا عن سبيلك) ففيه وجوه : أولها انه اراد لئلا يضلوا عن سبيلك ، فحذف (لا) وهذا له نظائر كثيرة في القرآن ، وكلام العرب فمن ذلك قوله تعالى : (وان تضل احداهما فتذكر إحداهما الاخرى) وانما اراد (لئلا تضل) وقوله تعالى : (ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) ، وقوله تعالى (والقى في الارض رواسي ان تميد بكم). وقال الشاعر : نزلتم منزل الاضياف منا * فعجلنا القرى ان تشتمونا والمعنى ان لا تشتمونا. فان قيل : ليس هذا نظيرا لقوله تعالى (ربنا ليضلوا عن سبيلك) لانكم حذفتم في الآية (ان) و (لا) معا وما استشهدتم به انما حذف منه لفظة (لا) فقط. قلنا : كلما استشهدنا به فقد حذف فيه الكلام ولا معا ، ألا ترى أن تقدير الكلام لئلا تشتمونا. وفي الآية إنما حذف أيضا حرفان وهما أن ولا ، وانما جعلنا حذف الكلام فيما استشهدنا به بازاء حذف أن في الآية من حيث كانا جميعا ينبئان عن الغرض ويدلان على المقصود ألا ترى انهم يقولون جئتك لتكرمني ، كما تقولون جئتك أن تكرمني. والمعنى ان غرضي الكرامة ، فإذا جاز ان يحذفوا أحد الحرفين جاز ان يحذفوا الآخر. ثانيها : ان اللام ها هنا لام العاقبة وليست لام الغرض ، ويجري مجرى قوله تعالى (فالتقطة آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) وهم لم يلتقطوه لذلك بل لخلافه ، غير ان العاقبة لما كانت ما ذكره حسن ادخال اللام ، ومثله قول الشاعر : وللموت تغذو الوالدات سخالها * كما لخراب الدور تبنى المساكن ونظائر ذلك كثيرة. فكأنه تعالى لما علم ان عاقبة امرهم الكفر ، وأنهم لا يموتون الا كفارا ، وأعلم ذلك نبيه ، حسن ان