الحقيقة. وقد ذكر ابو مسلم محمد بن بحر في هذه الآية وجها آخر ، وهو من اغرب ما ذكر فيها ، قال : ان الله تعالى انما اتى فرعون وملاه الزينة والاموال في الدنيا على طريق العذاب لهم والانتقام منهم لما كانوا عليه من الكفر والضلال ، وعلمه من احوالهم في المستقبل من انهم لا يؤمنون. ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : (فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق انفسهم وهم كافرون). فسأل موسى عليه السلام ربه وقال : رب انك اتيتهم هذه الاموال والزينة في الحياة الدنيا على طريق العذاب ولتضلهم في الآخرة عن سبيلك التي هي سبيل الجنة وتدخلهم النار بكفرهم ، ثم سأله ان يطمس على اموالهم بأن يسلبهم إياها ليزيد ذلك في حسرتهم وعذابهم ومكروههم ، ويشد على قلوبهم بأن يميتهم على هذه الحال المكروهة. وهذا جواب قريب من الصواب والسداد. تنزيه موسى عن سؤال الرؤية لنفسه : (مسألة) : فإن قيل : فما الوجه في قوله تعالى : (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني) أو ليس هذه الآية تدل على جواز الرؤية عليه تعالى لانها لو لم تجز لم يسغ أن يسألها موسى (ع) كما يجوز ان يسأله اتخاذ الصاحبة والولد؟. (الجواب) : قلنا : أولى ما اجيب به عن هذه الآية ان يكون موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه ، وانما سألها لقومه. فقد روي ان قومه طلبوا ذلك منه ، فأجابهم بأن الرؤية لا تجوز عليه تعالى. فلجوا به وألحوا عليه في ان يسأل الله تعالى ان يريهم نفسه ، وغلب في ظنه ان الجواب إذا ورد من جهته جلت عظمته كان أحسم للشبهة وأنفى لها ، فاختار السبعين الذين حضروا للميقات لتكون المسألة بمحضر منهم ، فيعرفوا ما يرد من الجواب ، فسئل عليه السلام على ما نطق به القرآن ، وأجيب بما يدل على ان الرؤية لا يجوز عليه عزوجل. ويقوي هذا الجواب امور : منها : قوله تعالى : (يسألك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى