قوة في هذا الوجه ، والوجوه التي ذكرناها في تقوية هذا الجواب المتقدمة أولى ، وليس لاحد أن يقول : لو كان موسى (ع) انما سأل الرؤية لقومه لم يضف السؤال إلى نفسه فيقول ارني انظر اليك ، ولا كان الجواب ايضا مختصا به في قوله : لن تراني ، وذلك انه غير ممتنع وقوع الاضافة على هذا الوجه ، مع ان المسألة كانت من أجل الغير إذا كان هناك دلالة تؤمن من اللبس ، فلهذا يقول احدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك ان تفعل بي كذا وكذا وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن ان يقول المشفوع إليه : قد اجبتك وشفعتك وما جرى مجرى هذه الالفاظ. وإنما حسن هذا لان للسائل في المسألة غرضا ، وإن رجعت إلى الغير لتحققه بها وتكلفه كتكلفه إذا اختصه. فإن قيل : كيف يسأل الرؤية لقومه مع علمه باستحالتها ، ولئن جاز ذلك ليجوز ان يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه من كونه جسما وما اشبهه متى شكوا فيه. قلنا : انما صحت المسألة في الرؤية ولم تصح فيما سألت عنه ، لان مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسما يمكن معرفة السمع ، وانه تعالى حكيم صادق في اخباره ، فيصح ان يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في جوازه ، ومع الشك في كونه جسما لا يصح معرفة السمع فلا ينتفع بجوابه ولا يثمر علما. وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية : قد كان جايز ان يسأل موسى (ع) لقومه ما يعلم استحالته وان كان دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان المعلوم أن في ذلك صلاحا للمكلفين في الدين ، وأن ورود الجواب يكون لطفا لهم في النظر في الادلة واصابة الحق منها ، غير ان من اجاب بذلك شرط ان يبين النبي (ع) انه عالم باستحالة ما سأل فيه ، وأن غرضه في السؤال ان يرد الجواب فيكون لطفا. وجواب آخر في الآية : وهو أن يكون موسى عليه السلام انما سأل ربه تعالى ان يعلمه نفسه ضرورة باظهار بعض اعلام الآخرة التي يضطر عندها