بالطاعة العمياء لأمرائهم وقوادهم.
ولم يكن التفاوت بالعدد مما يستفزه كثيراً ، ولكنه كان شديد العناية بالمزايا المعنوية التي يتحلى بها جنود الفريقين. وكان القائد الحريص على روحية جيشه التي هي كل ما يدخره للقاء عدوه.
ولاح له في سبيل موازنته ، اشتراك « الاخلاط » من العناصر المختلفة في جيشه. وانه ليستقبل حرباً لن تجدي فيها غير الكثرة المخلصة من المحاربين الاشداء ، فما شأن الجماعات التي لم تفهم الجهاد الا كوسيلة للغنائم.
وتشاءم عبيد اللّه بن عباس ، منذ الساعة الاولى التي يمم بها معسكره في « مسكن » ، تشاؤماً كان له أثره في المراحل القريبة مما استقبله من خطوات.
وكان أنكى ما يخافه على مقدّرات جيشه ، أن تتسرب الى صفوفه أخبار التعبئة الفاشلة في الكوفة ، أو أن تحبو اليه أحابيل معاوية بما تحمله من أكاذيب ومواعيد ، وهاهم أولاء وقد جمعهم صعيد واحد ومشارع واحدة واظلتهم سماء مسكن جميعاً ، وماذا يؤمنه من أن يكون مع جنوده أو من جنوده انفسهم من هو بريد معاوية في الافساد عليه وعلى الامام. وكانت أسلحة معاوية ( الباردة ) أروع أسلحته في هذا الميدان بل في سائر ميادينه.
وصدق ظن عبيد اللّه.
فاذا بباكورة دسائس معاوية تشق طريقها الى معسكر مسكن ، وفي هذا المعسكر من أصحاب الحسن مخلصون ومنافقون ، وآخرون يؤثرون العافية ويتمنون لو صدقت الشائعة الجديدة ، وكانت الشائعة الكاذبة « أن الحسن يكاتب معاوية على الصلح ، فَلمَ تقتلون انفسكم (١) ».
__________________
١ ـ شرح النهج ( ج ٤ : ص ١٥ ).