ولم يُجدِ ابن عباس أن يعلم هو وخاصته كذب الشائعة ، واصطدامها بالواقع الذي لا يقبل الشك ، لان الحسن الذي لا يزال يشمّر للحرب في رسله الى الاطراف ، وفي رسائله الى معاوية ، وفي خطبه بالكوفة ، لن يكتب في صلح ولن ينزل عن رأي ارتآه.
ولكنها كانت أحبولة الشيطان الرائعة الصنع.
وارتفعت أصوات المخلصين من الانصار ، تدعو الناس الى الهدوء ، وتستمهلهم ريثما يصل بريد المدائن ، ولكنها كانت صيحات في واد ، ونفخات في رماد ، واجتاح الموقف ارتباك مؤسف لا يناسب ساحة قتال.
وتخاذل عبيد اللّه للخدعة الخبيثة التي أصابت المحزَّ من موقفه الدقيق.
فخلا بنفسه ، وانقبع تحت سماء خيمته البعيدة عن ضوضاء الناس. ورأى ان قيادته هذه ستطوح بمكانته العسكرية الى أبعد الحدود ، فثار لسمعته وحديث الناس عنه ، وندم على قبولها. وكان من دفعات الحدّة التي طبع عليها ، أن لعن الظروف التي عاكسته في رحلته العسكرية هذه والظروف التي خلقت منه قائدا على هذه الجبهة. ثم انطوى على نفسه تحت كابوس من القلق وحب الذات لا يدري ماذا يصنع.
ورأى اخيراً [ وكان المخرج الذي بلغته قصارى براعته ] أن يتقدم باستقالته ، نزولاً على حكم ملكاته الانانية التي كان يستكين لها راغباً عامداً. وما يدرينا ، فربما لم يكن له من القابليات الشخصية ما يمكنه من محاسبة نفسه والتفكير في اصلاح ما يمر به من اخطاء أو ما يفجؤه من نكبات.
وكان عليه ـ وقد صمم على الاستقالة ـ أن يترك مقر القيادة الى مصيرها الذي لا يعدو رأي الامام ، أو يتخلى عنها لخليفته وهو ( قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ).
ولكنه فطن ـ ولما يغادر فسطاطه المترفع الذي كان يقع على جانب بعيد من مضارب جنوده ، والذي شهد وحده ثورة القائد المتخاذل ، وسمع