وكانت نصوص هذه المشاجرات بصيغها البلاغية ، وقيمها الادبية ، جديرة بالعرض ، كتراث عربي أصيل يدل بنفسه على صحة نسبه ويعطينا بأسلوبه وصياغته ، صورة عن « أدب المشاجرات » في عصره. ولكن الذي رغّبنا عن استعراضها في سطورنا هذه ، ايغالها المؤسف بالتهتار البذيء ، الذي بلغ به صاغة الاكاذيب الامويون غايتهم ، فأساءوا لانفسهم أكثر مما أرادوا بعّد وهم ، وما كانوا محسنين.
واذ قد آثرنا الرغبة عن استعراضها هنا ، فلا نؤثر أن نتجاهل ـ في موضوع الكلام على صبر الحسن عليهالسلام ـ ما بلغته هذه المجالس ، من الاساءة الى الحسن ، وما بلغه الحسن في نفسه من عظيم الصبر عليها ، وعظيم البلاء في التعرض لها ولا مثالها من اساليب معاوية وأحابيله ، سلما وحربا.
ومما لا شك فيه ، انها كانت مجالس مبيتة ، وكان لها هدفها السياسي المقصود ، وهي من هذه الناحية ، أحد ميادين معاوية ، فيما شنه على الحسن وشيعته من حزب الاعصاب التي استبدل بها حرب الميدان.
ثم كان من ميادين حربه ( الباردة ) ما سيجيء الالمام بطرف منه في الفصول القريبة.
٣ ـ التضحية
واما النوع الفريد من تضحيته ، فهو موقفه من الحكم والسلطان ، وفي سبيل مبدئه.
وقد تكون التضحية بالعرش من صاحب الحق به ، أشد دلالة على انكار الذات من التضحية بالنفس. وانكار الذات في سبيل المبدأ ، أوضح صفات الحسن بن علي (ع) ، وأروع أدواته في جهاده الموصول الحلقات.
وهي على كل حال ، آلم التضحيتين للنفس ، وأطولهما عناء في الحياة ، وأشدهما ارهاقا لكيان الانسان.