كما احتملها ظرف اخيه الحسين ، فيما كان قد اصطلح عليه من مضايقات هي في الكثير من ملامحها ، صورة طبق الاصل عن ظروف أخيه ، وقد خرج منها بالشهادة دون الصلح ، وكانت آية خلوده في تاريخ الانسانية الثائرة على الظلم.
اذاً ، فلماذا لم يفعل الحسن اولاً ، ما فعله الحسين اخيراً؟.
ألِجبُنٍ ـ واستغفر اللّه ـ وما كان الحسين بأشجع من الحسن جناناً ، ولا امضى منه سيفاً ، ولا اكثر منه تعرضاً لمهاب الاهوال. وهما الشقيقان بكل مزاياهما العظيمة ، خُلُقاً ، وديناً ، وتضحيةً في الدين ، وشجاعة في الميادين ، وابنا أشجع العرب ، فأين مكان الجبن منه يا ترى؟.
أم لطمع بالحياة ، وحاشا الامام الروحي المعطر التاريخ ، أن يؤثر الحياة ، على ما ادخره اللّه له من الكرامة والملك العظيم ، في الجنان التي هو سيد شبابها الكريم ، والطليعة من ملوكها المتوجين ، وما حياة متنازل عن عرشه ، حتى تكون مطمعاً للنفوس العظيمة التي شبت مع الجهاد ، وترعرعت على التضحيات؟.
أم لانه رضي معاوية لرياسة الاسلام ، فسالمه وسلم له ، وليس مثل الحسن بالذي يرضى مثل معاوية ، وهذه كلماته التي أثرت عنه في شأن معاوية ، وكلها صريحة في نسبة البغي اليه ، وفي وجوب قتاله ، وفي عدم الشك في أمره ، وفي كفره اخيراً.
فيقول فيما كتبه اليه أيام البيعة في الكوفة : « ودع البغي واحقن دماء المسلمين ، فواللّه مالك خير في أن تلقى اللّه من دمائهم بأكثر مما انت لاقيه به (١)! .. ».
ويقول وهو يجيب أحد اصحابه العاتبين عليه بالصلح : « واللّه لو وجدت انصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري (٢) ».
__________________
١ ـ شرح النهج ( ج ٤ ص ١٢ ).
٢ ـ احتجاج الطبرسي (١٥١).