صاحبها ـ فيما قاله معاوية ذات يوم لعمرو بن العاص وفد تحدّى الحسن بن علي عليهماالسلام ، فردّ عليه الحسن بحدّياه البليغة التي لم يسلم منها المحرّض عليها ـ ايضاً ـ ، فقال معاوية لعمرو : « واللّه ما أردت الا هتكي ، ما كان أهل الشام يرون أنَّ أحداً مثلي حتى سمعوا من الحسن ما سمعوا (١) ».
٤ ـ وكان من الرشاقة السياسية التي لا يخطئها معاوية في سبيل طموحه الاناني الا نادراً ، أن يدعو الى « الصلح » فيلح عليه ويشهد على دعوته هذه أكبر عدد ممكن من الناس في القطرين ـ الشام والعراق ـ وفي سائر الآفاق التي يصلها صوته من بلاد الاسلام. ثم هو لا يقصد من وراء هذه الدعوة ـ على ظاهرتها ـ الا التمهيد لغده القريب الذي ستنكشف عنه نتائج الحرب بينه وبين الحسن. وكان أحد الوجهين
__________________
١ ـ المحاسن والمساوئ للبيهقي ( ج ١ ص ٦٤ ).
وفي القصص التاريخي نوادر كثيرة عن جهل أهل الشام بأعلام الاسلام فمن ذلك أن أحدهم سأل رجلاً من زعمائهم وذوي الرأي والعقل فيهم : « من أبو تراب الذي يلعنه الامام ـ يعني معاوية! ـ على المنبر؟ » قال : « أراه لصاً من لصوص الفتن!!! ». وسأل شامي صديقاً له وقد سمعه يصلي على محمد (ص) : « ما تقول في محمد هذا ، أربنا هو؟ ».
ولما فتح عبد اللّه بن علي الشام سنة ١٣٢ هجري وجه الى أبي العباس السفاح أشياخاً من أهل الشام من أرباب النعم والرئاسة ، فحلفوا لابي العباس أنهم ما علموا لرسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم قرابة ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية ، حتى وليتم الخلافة..!! « يراجع عنه مروج الذهب على هامش الجزء السادس من الكامل لابن الاثير ( ص ١٠٧ و١٠٨ و١٠٩ ).
أقول : وهذا يدل على أن عامة الملوك الامويين نهجوا على سياسة معاوية في تجهيل الناس بعظمائهم ولا سيما بأهل البيت عليهمالسلام ومنع نفوذ أسمائهم الى الشام. ويدل ـ ايضاً ـ على مبلغ عناية أولئك الشاميين باسلاميتهم. والمظنون أن الشام ـ على العهد الاموي ـ كانت لا تزال تزخر بأكثرية غير مسلمة من بقايا أهلها الاصليين ـ الروم والآراميين ـ. ولا نعهد غير قضية الفتح عملاً جدياً آخر كان من شأنه أن يغير القديم عن قدمه ، ولا نعهد تصريحاً تاريخياً ينقض علينا هذا الظن.