سبيل صيانة مقامه ومقام أخيه ، وتيسير شؤون أسرته وحفظهم ، واعتصم فيها بالامان لشيعته وشيعة أبيه وانعاش أيتامهم ، ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ووفائهم مع أبيه ، وليحتفظ بهم أمناء على مبدئه وانصاراً مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه ، يوم يعود الحق الى نصابه. وسلّم فيها « الأمر » الى معاوية مشروطاً بالعمل على سنّة النبي (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين ، فقلص بذلك من نفوذ عدوه في « الأمر » بما عرضه ـ من وراء هذا الشرط ـ للمخالفات التي لا عدَّ لها ولا حدَّ لنقمتها ، وهو اذ ذاك اعرف الناس بمعاوية وبقابلياته الخلقية تجاه هذا الشرط.
والمعاهدة ـ بعدُ ـ هي الصكّ الذي وَقّعه الفريقان ليسجلا على أنفسهما الالتزام بما أعطى كل منها صاحبه وبما أخذ عليه. وهي هنا ـ على الاكثر ـ قضية « ماديَّات » محدودة لجّ في تحصيلها أحد الفريقين لقاء « معنويات » لا حدَّ لها استأثر بها الفريق الثاني.
فلم يهدف معاوية في صلحه مع الحسن (ع) ، الا للاستيلاء على الملك ، ولم يرض الحسن بتسليم الملك لمعاوية الا ليصون مبادئه من الانقراض ، وليحفظ شيعته من الابادة ، وليتأكد السبيل الى استرجاع الحق المغصوب يوم موت معاوية.
ومن سداد الرأي أن لا نفهم مغزى هذه المعاهدة الا على هذا الوجه.
ولكي نتبين صحة هذا التفسير لاهداف الفريقين يوم صلحهما ، علينا ان نتحلل هنا في سبيل الكشف عن حقيقة تاريخية لها أهميتها ، من التعبّد بأقوال المؤرخين وبتصرفاتهم ، وأن نرجع توّاً الى التصريحات الشخصية التي فاه بها كل من المتعاقدين أنفسهما ، فيما يمت الى عناصر اتفاقيتهما هذه ، أو فيما يلقي الضوء على تفسير ما يفتقر الى التفسير منها. ولعلنا سنصل من وراء هذا الاسلوب في طريقة الاستنتاج ، الى حل شيء كثير من الرموز التي استعصى حلها على كثير من الاصدقاء في التاريخ.