وكان طبيعياً أن يتفق الفريقان بعد توقيعهما الصلح ، على مكان يلتقيان فيه على سلام ، ليكون اجتماعهما في مكان واحد تطبيقاً عملياً للصلح الذي يشهده التاريخ ، وليعترف كل منهما على مسمع من الناس بما أعطى صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده. واختارا الكوفة ، فأقفلا اليها ، وأقفل معهما سيول من الناس غصت بهم العاصمة الكبرى ، وهم ـ على الاكثر ـ أجناد الفريقين ، تركوا معسكريهما وخفوا لليوم التاريخي الذي كتب على طالع الكوفة النحس أن تشهده راغمة أو راغبة. وللمرة الاولى تزخر عاصمة العراق بعشرات الالوف من أجناد الشام الحمر ـ مسلمين ومسيحيين ـ. ولهذين المعسكرين ـ الكوفة والشام ـ سوابقهما التي لا تعهد الهوادة في سلسلة العداوات التاريخية والوقائع الدامية ، منذ حوادث سلمان الباهلي وحبيب بن مسلمة الفهري ( على عهد عثمان بن عفان ) والى يوم الصلح هذا. فما ظنك يومئذ بحال الجندي الكوفي الثابت على الوفاء ، الذي قدّر له ان يلقي سلاحه تحت موجة طاغية من مكاء الجنود الشاميين وتصديتهم التي عجت بها أروقة المسجد الجامع ، الذي كان أسس على تقوى من اللّه.
وكانت الفجيعة القاتلة للفئة المخلصة من أنصار أهل البيت عليهمالسلام ، وللذين جهلوا من هؤلاء الانصار أهداف الحسن في الصلح ، أو جهلوا حقيقة الوضع بدوافعه التي اقتادت الحسن الى الصلح. أما الاكثرية الخائنة فقد مزقت الستار في يومها المنشود ، وظهرت على المسرح باللون الذي لا تشتبه فيه الابصار ، وشوهد بين جماهير الشاميين زُمَرٌ من الكوفيين يساهمونهم الفرح المغبون في مهرجاناتهم الباردة ، وانتصارهم