لعلك تتفق معي على أنَّ من أدق المقاييس التي توزن بها شخصيات الرجال فيما يضطربون فيه من محاولات ، هو موقفهم من شروطهم التي يأخذونها على أنفسهم راغبين مختارين. وما من انسان معنيّ بانسانيته يعطي الشرط من نفسه ، الا وانه ليعلم ما يستوبله في شخصيته وفي سمعته وفي ذمامه اذا هو حنث في شرطه أو رجع عن وعده أو نقض ميثاقه الذي واثق على الوفاء به. ومن السهل ان نتصور انساناً يستميت في سبيل الوفاء لقولٍ قاله أو عهدٍ أعطاه ، لانه انما يموت ضحية خلق رفيع خسر به الحياة المحدودة فربح به الحياة التي لا حدَّ لها ، وبنى ـ الى ذلك ـ لبنةً جديدة في صرح الانسانية المثالية التي لا تفتأ تتعاون على نشر الخير في المجموع.
أما ذلك الخائس بعهده الحانث بيمينه الكاذب بمواعيده ، الذي بسم لصاحبه وهو يخادعه على شروطه ، ثم عبس وتولّى وندم على ما أعطى ، فليس من السهل أن نتصوره انساناً ، ولكنه عدو الانسانية بما هدم من قواعدها وشلَّ من مقرراتها ، وعدوّ نفسه بما عرضها للنقمة والاحتقار وسوء السمعة والحرمان من ثقة المجتمع. ولن ينفعه ـ بعد ذلك ـ أن يقول أو يقال عنه : ان الغاية تبرر الواسطة ـ فان هذا الاعتذار بذاته جريمةٌ كاملة لا يتسع لها صدر الغفران. وللغايات ـ على اختلافها ـ قيمتها الاعتبارية التي تواضع عليها الناس ، فليكن لكل غايةٍ واسطتها التي تتناسب وغايتها في الاعتبار ، ولن تكون الغاية شريفةً قطُّ الا اذا قامت على وسائط شريفةٍ أيضاً.
وكان من الخير العام ، أن يتواضع المجموع منذ بناية المجتمع ، على اعتبار « اليمين » و « العهد » ضماناً في الاخذ والردّ ، وأن تتضافر الاديان