عرفنا ـ الى هنا ـ بواعث كل من الفريقين فيما تطلعا به الى الصلح. وعرفنا شروط كُلٍ فيما اعتبره ضماناً لبواعثه تلك.
وعرفنا ـ بعد ذلك ـ أنهما أرادا الجنوح الى التصالح عملياً ، فاجتمعا في الكوفة ، وكان من المنتظر لهذا الاجتماع التاريخي أن يبعث بينهما من التقارب ما لم تبعثه الصكوك التحريرية ولا المقاولات الرسمية ، التي تبودلت بينهما في الصلح ، لولا أن معاوية لم يشأ ان يلتزم في هذا الاجتماع جانب المجاملة ، رغم أنه كان في ظرفه الخاص أحوج الرجلين الى هذا النمط من السلوك ، وانه ليمر ـ اذ ذاك ـ بأدق امتحان في سياته العامة وفي شخصيته كملك يريد ان يحكم شعباً ما أحبه منذ أبغضه ـ على حد تعبير الاحنف بن قيس ـ ، فاجتمع بالحسن ولكن كما يجتمع « ابن أبي سفيان » بابن فاتح مكة ، لا كما يجتمع متناجزان القيا السلاح وتبادلا وثائق الصلح ، وكان من هذا الخلق الثابت لمعاوية ـ رغم ما يتكلفه من الحلم الكثير أحياناً ـ ما هو أداة الحسن في حملته المنظمة التي جردها عليه في ( ميدانه الثاني ) ـ كما اشير اليه في آخر فصل مضى ـ.
واذ قد عرفنا ذلك كله من فصولنا القريبة السابقة ، فلنعرف الآن موقف كلٍّ من شروطه وفاءً ونقضاً. وها نحن أولاء من هذه المرحلة بازاء النقطة الحساسة التي طال حسابها في التاريخ.
وكان بودنا لو طوينا كشحاً عن استنطاق هذا الموضوع ، بما تثيره تفاصيله من ذكريات : بعضها ألم ، وبعضها فضيحة سافرة ، وقليل منها تاريخ تعافه الامجاد. ولكننا ـ وقد أخذنا على أنفسنا في هذا الكتاب مهمة البحث التحليلي المكشوف ، عن قضية الحسن ومعاوية ـ لا نجد مجالاً