وانهزم عمرو وزعق (١) أصحاب أبي الاعور جميعاً فأخذوا في الحرب ، ثم حمل الاشعث بن قيس عليهم في ستة آلاف رجل جامين (٢) مستريحين واشتدت المناجزة والمكافحة ، فأرسل الاشتر إلى أبي الاعور : أن ابرز إلي ، فبرز إليه لكثرة ما دعاه الاشتر إليه وعليه درع مذهب وبيضة (٣) عادية ، فوقفا وتحدثا ، وخمدت الاصوات فقال له الاشتر : اتعرفنى يا أبا الاعور؟ كم مرة دعوتك ان تبرز إلي فالآن برزت إلي فلأوردنك حياض الموت ولأذيقنك ما كنت تهرب منه؟ قال أتهددني وانا قاتل الشجعان ومبيد الاقران؟ قال فابرز إلي لترى صولة الرجال فتقهقرا ليحمل كل واحد منهما على صاحبه ، وعمرو ينظر إليهما ، فحمل الاشتر عليه فضربه على بيضته فقطع أنف البيضة ووقع السيف في وجنته فدمي وجهه ، وهرب أبو الأعور وحمل الاشعث وانهزم عسكر أبي الاعور وعمرو بن العاص.
قال رضي الله عنه : يقال زعق به : صاح صيحة مفزعة.
قال أبو هاني بن معمر : رأيت اعرابياً يخوض في الماء وهو يقول :
أيعطش القوم وفينا الاشعث |
|
واشتر الخيرات ليث يلهث |
قال رضي الله عنه : روى ان الاشتر كان يخطب ويقول : اثبتوا في مواضعكم واقيموا صفوفكم ، فلما كتب الكتائب ورتب الصفوف ، اقبل علينا بوجهه فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال : أما بعد فقد كان سابقا في علم الله اجتماعنا في هذه البقعة من الارض لآجال اقتربت وامور تصرفت وآمال تصرمت يسوسنا سيد الاوصياء ويرأسنا ابن عم خير الانبياء وامامنا المؤيد بنصر الله من السماء وسيف من سيوف الله ، ورئيسهم بن
__________________
(١) الحجفة : الترس من جلد بلا حسب.
(٢) جامين ، من جم القوم : استراحا ، وفي حديث ابي قتادة : فأتى الناس الماء جامين رواء أي مستريحين قد رووا من الماء ـ لسان العرب.
(٣) البيضة : الخوذة.