رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في صومعته](١) في الركب حين أقبلوا وغمامة تظلّه من بين القوم ، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظلّ شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وتهصرت (٢) أغصان الشجرة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، وقد أمر بذلك الطعام ، فصنع ، ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وأنا أحبّ أن تحضروا كلكم ، صغيركم وكبيركم ، وحرّكم وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ، ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمرّ بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون (٣) منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بين القوم لحداثة سنة في رحال (٤) القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده. قال : يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا ، قالوا له : يا بحيرا ما تخلّف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلّا غلام هو أحدث القوم سنا تخلّف في رحالهم ، قال : فلا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم : واللّات والعزّى ، إن هذا للؤم (٥) بنا يتخلّف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه ، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته ، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له : يا غلام أسألك باللّات والعزّى إلّا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فزعموا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : لا تسألني (٦) باللّات والعزّى شيئا ، فو الله ما أبغضت بغضهما شيئا قط ، فقال له بحيرا : فبالله إلّا ما أخبرتني عما أسألك عنه. فقال : سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقطت من الأصل وخع والبيهقي واستدركت عن سيرة ابن هشام ١ / ١٩٢.
(٢) تهصرت : مالت وتدلّت ، (قاموس : هصر) وفي دلائل البيهقي : شمرت وبحاشيته عن إحدى نسخه : وتهصرت.
(٣) كذا بالأصول.
(٤) بالأصل وخع «رجال» تحريف والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.
(٥) بالأصل وخع : «اللوم» والمثبت عن دلائل البيهقي ، وفي ابن هشام : إن كان للؤم.
(٦) عن ابن هشام ، وبالأصل وخع «لا تسألن» وفي البيهقي : لا تسلني.