عيسى بن مريم ، وإني (١) كنت بكر أمي وإنها حملتني كأثقل ما يحمل الناس ـ وقالت فاطمة : النساء ـ حتى جعلت تشكو إلى صواحبها ثقل ما تجد ثم إن أمي رأت في المنام : أن الذي في بطنها نور قالت : فجعلت أتبع بصري النور ، [والنور](٢) يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني فلما نشأت بغضت إليّ الأصنام (٣) وبغّض إليّ الشعر ، واسترضع إليّ في بني جشم بن بكر. فبينما أنا ذات يوم في بطن واد (٤) مع أتراب لي من الصبيان ، إذ أنا برهط ثلاثة معهم طشت من ذهب ملآن من ثلج ، فأخذوني من بين أصحابي ، وانطلق أصحابي هرابا حتى انتهوا ـ وقالت فاطمة : إذا انتهوا ـ إلى شفير الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا : ما لكم ولهذا الغلام؟ إنه غلام ليس منا ، وهو ابن سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ؛ من غلام يتيم ليس له أب ، فما ذا يرد عليكم قتله؟ ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فاختاروا منا أينا شئتم ، فليأتكم فاقتلوه مكانه ودعوا هذا الغلام. فلم يجيبوهم ، فلما رأوا الصّبيان أن القوم لا يجيبوهم ، انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذونهم بهمّ. ويستصرخوهم (٥) على القوم ، فعمدوا إلي آخرهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شقّ ما بين صدري إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر فلم أجد لذلك مسّا ، ثم أخرج أحشاء بطني فغسله بذلك الثلج فأنعم غسله ، ثم أعادها مكانها ـ وقالت فاطمة : في مكانها ـ.
ثم قام الثاني فقال لصاحبه : تنحّ ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي ، وأنا انظر فصدعه فأخرج منه مضغة سوداء ، فرمى بها ثم قال بيده يمنة منها منه ، كأنه يتناول شيئا فإذا أنا بالخاتم ـ وقالت فاطمة : بخاتم ـ في يده من نور يخطف (٦) أبصار الناظرين دونه ، فختم قلبي فامتلأ نورا ، وحكمة ـ وقال الخلّال : نور النبوة والحكمة ـ ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا.
ثم قام الثالث فنحّا صاحبيه ، فأمرّ يده بين ثديي ـ وقال الخلّال : صدري ـ ومنتهى
__________________
(١) بالأصل وخع : «وإن» والمثبت عن الطبري.
(٢) زيادة اقتضاها السياق ، سقطت من الأصل وخع ، عن الطبري.
(٣) كذا بالأصل وخع ، وفي الطبري : أوثان قريش.
(٤) بالأصل وخع : «وادي».
(٥) الطبري : ويستصرخونهم.
(٦) الطبري : يحار الناظرون دونه.