الحسن بن علي بن علوية ، نا إسماعيل بن عيسى ، نا إسحاق بن بشر القرشي ، أنا إدريس ـ هو ابن عبد الكريم ـ عن وهب ـ وهو ابن منبّه ـ وسعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قالا : إن إرميا كان غلاما من أبناء الملوك ، وكان زاهدا ، ولم يكن لأبيه ابن غيره ، وكان أبوه يعرض عليه النّكاح فكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربه ، فألحّ عليه أبوه ، فكره أن يعصي أباه ، فزوّجه في أهل بيت من عظماء أهل مملكته ، فلمّا أن دخلت عليه امرأته قال لها : يا هذه إني أسر إليك أمرا ، فإن كتمتيه عليّ وسترتيه سترك الله في الدنيا والآخرة ، وإن أنت أفشيتيه فضحك الله في الدنيا والآخرة. قالت : فإني سأكتمه عليك ، قال : فإني لا أريد النساء.
قال : فأقامت معه سنة ، ثم إن أباه أنكر ذلك ، فسأله فقال : يا أبه ما طال ذلك بعد ؛ فدعا امرأته فسألها ، فقالت مثل ذلك ، ففرّق بينهما ، وزوّجه امرأة في بيت أشرافهم ، فأدخلت عليه ، فاستكتمها أمره مثل ما استكتم الأولى ، فلما مضت سنة ، فسأله أبوه مثل ما سأل فقال : ما طال ذلك يا أبه ، فسأل المرأة فقالت : كيف تحمل المرأة من غير زوج؟ ما مسّني ، فغضب أبوه ، فهرب منه حتى بعثه الله نبيا مع ناشية الملك ، وجاءه الوحي.
قال : ونا إسحاق قال : وأنا إدريس عن وهب بن منبّه : إن الله تعالى لما بعث إرميا إلى بني إسرائيل ، وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل وعملوا بالمعاصي فقتلوا الأنبياء ، طمع بخت نصّر فيهم وقذف الله في قلبه ، وحدّث نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم ، فأوحى الله إلى إرميا إني مهلك بني إسرائيل ، ومنتقم منهم ، فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي.
فقام إرميا ، فشق ثيابه ، وجعل الرماد على رأسه وخرّ ساجدا وقال : يا رب وددت أن أمّي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي.
فقيل له : ارفع رأسك ، فرفع رأسه ، قال : فبكى ، ثم قال : يا ربّ من تسلّط عليهم؟ قال : عبدة النيران ، لا يخافون عقابي ، ولا يرجون ثوابي ، قم يا إرميا فاستمع وحيي ، أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل : من قبل أن أخلقك اخترتك ، ومن قبل أن أصوّرك في رحم أمك قدّستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهّرتك ، ومن قبل