ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها ، وإن هؤلاء القوم رتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم ، وابتغوا الكرامة من غير وجهها.
أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولا ، يتعبدونهم [دوني](١) ويحكمون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري ، وأنسوهم ذكري ، وسنّتي ، وغرّوهم عنّي. فدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلّا لي ، فهم يطيعونهم في معصيتي.
وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي ، وأمنوا مكري ، وغوتهم الدنيا حتى نبذوا كتابي ، ونسوا عهدي فهم يحرّفون كتابي ، ويفترون على رسلي جرأة منهم عليّ ، وغرّة بي. فسبحان جلالي ، وعلوّ مكاني ، وعظمة شأني هل ينبغي لي أن يكون لي شريك في ملكي؟ وهل ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي؟ وهل ينبغي لي أن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دوني؟ أو آذن لأحد بالطاعة لأحد؟ [وهي](٢) لا تنبغي (٣) إلّا لي.
وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون فينقادون للملوك فيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني ، ويطيعونهم في معصيتي ، ويوفون لهم بالعهود الناقضة لعهدي ، فهم جهلة بما يعملون (٤) لا ينتفعون بشيء مما علموا من كتابي (٥).
وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون يخوضون مع الخائضين يتمنون مثل نصري آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها ، ويزعمون أنه لا أحدا أولى بذلك منهم بغير صدق منهم ولا تفكّر ، ولا يذكرون كيف كان صبر آبائهم ، وكيف كان جهدهم في أمري ، حتى اغترّ المغترّون ، وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم ، فصبروا وصدقوا حتى عزّ أمري ، وظهر ديني ، فتأنّيت هؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني ، ويرجعون ، فتطوّلت عليهم ، وصفحت عنهم ، فأكثرت ومددت لهم في العمر ، وأعذرت لهم لعلهم
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة عن تاريخ الطبري ١ / ٥٤٨.
(٢) زيادة عن البداية والنهاية ٢ / ٤٣.
(٣) بالأصل «ينبغي» والصواب ما أثبت عن البداية والنهاية.
(٤) في البداية والنهاية وبالأصل : يعلمون.
(٥) كذا وردت العبارة في البداية والنهاية ، وفي الطبري ١ / ٥٤٩ : وأما قراؤهم وفقهاؤهم فيتعبدون في المساجد ، ويتزينون بعمارتها لغيري لطلب الدنيا بالدين ، ويتفقهون فيها لغير العلم ، ويتعلمون فيها لغير العمل.