وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه ، والسوق والأسفار والأرواح السموم.
ثم لأدوسنّهم بأنواع العذاب حتى لو كان الكائن منهم في حالق (١) لوصل ذلك إليه ، إني إنما أكرم من أكرمني ، وإنما أهين من هان عليه أمري ، ثم لآمرنّ السماء خلال ذلك فلتكونن طبقا من حديد ، ولآمرنّ الأرض فلتكوننّ سبيكة من نحاس ، فلا سماء تمطر ولا أرض تنبت ، فإن أمطرت خلال ذلك شيئا سلّطت عليه الآفة ، فإن خلص لهم منه شيء نزعت منه البركة ، وإن دعوني لم أجبهم ، وإن سألوني لم أعطهم ، وإن بكوا لم أرحمهم ، وإن تضرّعوا إليّ صرفت وجهي عنهم. وإن قالوا اللهمّ أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنا برحمتك وكرامتك ، وذلك بأنك اخترتنا لنفسك ، وجعلت فينا نبوّتك وكتابك ومساجدك ، ثم مكّنت لنا في البلاد ، واستخلفتنا فيها ، وربيتنا وأباءنا من قبلنا بنعمتك صغارا ، وحفظتنا وإيّاهم برحمتك كبارا فأنت أولى (٢) المنعمين أن لا تغيّر وإن غيّرنا ، ولا تبدّل وإن بدّلنا ، وأن يتمّ (٣) نعمته وفضله ومنّه وطوله وإحسانه.
فإن قالوا ذلك قلت لهم : إني أبتدئ عبادي برحمتي ونعمتي ، فإن قبلوا أتممت ، وإن استزادوا زدت ، وإن شكروا أضاعف ، وإن بدّلوا غيّرت ، وإن غيروا غضبت ، وإذا غضبت عذّبت ، وليس يقوم شيء لغضبي.
قال كعب : قال إرميا : برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك ، وهل ينبغي ذلك لي وأنا أذلّ وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلّم بين يديك ، ولكن برحمتك أبقيتني لهذا اليوم ، وليس أحد أحقّ أن يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد منّي بما رضيت به مني طولا ، والإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير تنكير ولا تغيير منّي ، فإن تعذّبني فبذنبي ، وإن ترحمني فذلك ظنّي بك.
ثم قال : يا ربّ سبحانك وبحمدك وتباركت ربّنا وتعاليت لمهلك (٤) هذه القرية وما حولها ، وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك ؛ يا ربّ سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك.
__________________
(١) الحالق : المكان المرتفع.
(٢) البداية والنهاية : أوفى.
(٣) البداية والنهاية : وأن تتم فضلك ومنّك وطولك وإحسانك.
(٤) البداية والنهاية : أتهلك.