يا ربّ سبحانك وبحمدك وتباركت وتعاليت لمقتك هذه الأمّة وعذابك إيّاهم وهم من ولد إبراهيم خليلك ، وأمة موسى نجيّك ، وقوم داود صفيّك.
يا رب : أيّ القرى تأمن عقوبتك بعد أورشلم؟ وأيّ العباد يأمنون سطوتك بعد ولد خليلك إبراهيم وأمّة نجيّك موسى وقوم خليفتك داود؟ تسلّط عليهم عبدة النيران؟.
قال الله تعالى : يا إرميا من عصاني فلا يستنكر نقمتي ، فإني إنما كرّمت (١) هؤلاء القوم على طاعتي ، ولو أنهم عصوني لأنزلتهم دار العاصين إلّا أن أتداركهم برحمتي.
قال إرميا : يا رب اتخذت إبراهيم خليلا وحفظتنا به ، وموسى قرّبته نجيّا ، فنسألك أن تحفظنا ولا تتخطّفنا ، ولا تسلّط علينا عدوّنا.
فأوحى الله إليه : يا إرميا إني قدّستك في بطن أمك ، وأخّرتك إلى هذا اليوم فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل لكنت الداعم لهم ، وكانوا عندي بمنزلة جنّة ناعم شجرها ، طاهر ماؤها ولا يغور ماؤها ، ولا تبور ثمارها ولا تنقطع ، ولكن سأشكو إليك بني إسرائيل :
إني كنت لهم بمنزلة الراعي الشفيق أجنّبهم كل قحط وكلّ غرّة (٢) ، وأتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشا ينطح بعضها بعضا ، فيا ويلهم ، ثم يا ويلهم إنما أكرم من أكرمني ، وأهين من هان عليه أمري ، إنّ من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي ، وإن هؤلاء القوم يتبرّعون معصيتي تبرّعا فيظهرونها في المساجد والأسواق ، وعلى رءوس الجبال وظلال الشجر ، حتى عجت السماء إليّ منها ، وعجّت الأرض والجبال ، ونفرت (٣) منها الوحوش بأطراف الأرض وأقاصيها ، وفي كل ذلك لا ينتهون ولا ينتفعون بما علموا من الكتاب.
وقال إسحاق : قال هؤلاء المسمّون بأسنادهم : لما بلّغهم إرميا رسالة ربّهم وسمعوا ما فيها من الوعيد والعذاب عصوه وكذّبوه واتّهموه قالوا : كذبت وعظّمت (٤)
__________________
(١) البداية والنهاية ومختصر ابن منظور ٤ / ٢٤٤ : أكرمت.
(٢) الأصل والمختصر ، وفي البداية والنهاية : عسرة.
(٣) بدون إعجام بالأصل وفي م : ويقرب والمثبت عن البداية والنهاية.
(٤) البداية والنهاية : وأعظمت.