وردان : ويحك أين كنت؟ عبد الله بن عمرو يطلبك كان ينفعك مرض وهو يقلق بالنهار ويسهر بالليل ، أرسل إليك تلهيه وتعلّله فلم يجدك ، قلت : أبا لله؟ ثم فكرت ساعة ثم قلت لها : هات لي قارورة دهن خلوقة ومنديل الحمّام ، ففعلت فخرجت أريد الحمّام فأمرّ بسالم بن عبد الله بن عمر (١) فقال لي : يا أشعب هل لك في هريس أهديت لي؟ قال : قلت : نعم ، جعلني الله فداك ، قال : فدعا بها فأتي بصفحة كبيرة ، فأكلت حتى شبعت ، فجعلت أتكاره عليها ، فقال لي : ويحك لا تقتل نفسك ، فإن ما فضل منك يبعث به إلى بيتك ، قال : فقلت : وتفعل ، ما أردت إلّا ذاك. فكففت بها فبعث بها إلى بيتي ، وخرجت فدخلت الحمام واطّليت ثم صببت علي دهن الحلو فيه ، ثم سكبت عليّ ماء وخرجت وعليّ صفرة الدهن ، لم استفق منه ، فقد صار لوني أصفر كأنه الزّعفران ، فلبست أطمارا لي وعصبت رأسي وأخذت معي عصا ، ثم خرجت أمشي عليها حتى جئت باب عبد الله بن عمرو بن عثمان فلما رآني حاجبه قال : ويحك يا أشعب ظلمناك وغضبنا عليك ، وأنت قد بلغت ما أرى من العلّة ما أصابك ، قال : قلت : أدخلني على سيدي أخبره ، فأدخلني عليه فإذا عنده سالم بن عبد الله ، فقال لي عبد الله بن عمرو : ويحك يا أشعب ظلمناك وغضبنا عليك وقد بلغت ما أرى من العلّة ما أمرك ، قال : فتضاعفت فقلت : أي سيدي كنت عند بعض من أغشاه فأصابني قيء وبطن ، فما حملت إلى منزلي إلّا جنازة ، فبلغتني علّتك فخرجت أدبّ إليك ، قال : فنظر إليّ سالم ثم قال لي : يا أشعب ، قال : قلت : أشعب. قال : ألم تكن عندي آنفا؟ قال : قلت : وأين أكون عندك جعلني الله فداك وأنا أموت؟ فجعل يمسح عينيه ثم يقول ألم تأكل الهريس آنفا عندي؟ قال : فأقول : وهل بي أكل جعلني الله فداك مع العلّة ، فقال : فقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله ، إنّي لأرى الشيطان يتمثل على صورتك ، وما أرى مجالستك تحلّ ، ووثب ، وفطن بي عبد الله بن عمرو فقال : أشعب تخدع خالي؟ أصدقني خبرك. قال : قلت بالأمان؟ قال : بالأمان ، فحدّثته حديثي فضحك ضحكا شديدا.
قرأت على أبي محمد السّلمي عن أبي بكر الخطيب ، أنا أبو بكر محمد بن علي بن عبد الله بن هشام بن معن الفارسي ، أنا أبي ، حدثني يموت بن المزرع ، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم المكي ، حدثني أبي عن أبيه قال : أتيت عبد العزيز بن المطّلب أسأله
__________________
(١) بالأصل «عمرو» والصواب ما أثبت عن م ، وقد تقدم.