الناعية تنعاه ، وإذا الدوابّ قد جزّوا نواصيها ، قلت ما للأمير؟ قالوا : مات فحمل ودفن في جانب الصحراء ، فجاء الفرزدق ووقف على قبره فقال (١) :
أعينيّ إلّا تسعداني ألمكما |
|
فما بعد بشر من عزاء ولا صبر |
ألم تر إلى الأرض بكت (٢) جبالها |
|
وان نجوم الليل بعدك لا تسري |
سقاني أمير المؤمنين مصيبة |
|
وتمضي (٣) إلى عبد العزيز إلى مصر |
بأن أبا مروان بشرا أخاكما |
|
ثوى غير متبوع بمنّ ولا غدر |
وقد كان حيّات العراق يخفنه |
|
وحيّات ما بين المدينة (٤) فالقهر (٥) |
قال : فما بقي أحد كان على القبر إلّا خرّ باكيا قال : ثم انصرفت فصلّيت في جانب الصحراء ما قدّر لي ثم عدت إلى القبر فإذا قد أتي بعبد أسود فدفن إلى جانبه ، فو الله ما فصلت بين القبرين حتى قلت : أيهما قبر بشر بن مروان.
أخبرنا أبو الحسن بن البقشلان ، أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي ، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عتّاب بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب بن محمد العبدي ـ قراءة عليه ـ أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصا ـ إجازة ـ حدّثنا أبو عبيد الله معاوية بن صالح قال : كتب إليّ سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم عن عوانة ح ، قال ابن جوصا : وحدّثني أبو طاهر أحمد بن بشر ، حدّثنا سليمان بن أبي شيخ عن محمد بن الحكم ، عن عوانة ، قال : لما قتل عبد الملك مصعب بن الزّبير ، ودخل الكوفة ، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنّي قد استعملت عليكم رجلا من أهل بيت لم يزل الله عزوجل يحسن إليهم في ولايتهم ، أمرته بالشدة والغلظة على أهل المعصية ، وباللين على أهل الطاعة فاسمعوا له واطيعوا ، وهو بشر بن مروان ، وخلّفت معه أربعة آلاف من أهل الشام ، منهم روح بن زنباع الجذامي ، ورجاء بن حيوة الكندي.
__________________
(١) ديوانه ط بيروت ١ / ٢١٧.
(٢) الديوان : «هدّت جبالها» وفي المطبوعة «دكت».
(٣) في الديوان : سيأتي أمير المؤمنين نعيّه وينمي.
(٤) في الديوان : اليمامة.
(٥) بالأصل «فالفهر» ولم نجد موضعا بهذا الاسم ، فأثبتنا ما في الديوان : فالقهر بالقاف ، وهو أسافل الحجاز مما يلي نجدا من قبل الطائف (معجم البلدان).
وقوله : الحيات : يعني الرجال الأقوياء الأشداء.