وكان بشر يشرب بالليل وينادم قوما من أهل الكوفة. فقال لندمائه ليلة : إن هذا الجذامي يمنعني من أشياء أريد أن أعطيكموها. فقال رجل مولى لبني تميم : أنا أكفيكه ، فكتب على باب القصر ليلا :
إنّ ابن مروان قد حانت منيّته |
|
فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع |
إنّ الدنانير لا تغني مكانكم |
|
إذا نعاك لأهل الرّملة النّاعي |
فلما أصبحوا قرأ ذلك الناس ، فبلغ ذلك روحا ، فجاء إلى بشر فقال : ائذن لي ، فإن أهل العراق أصحاب توثّب ، فجعل بشر يتمنع عليه ، وهو يشتهي أن يخرج فأذن له ، فلما قدم على عبد الملك جعل يخبره عن أهل العراق ، فيقول له عبد الملك : هذا من خبثك (١) يا أبا زرعة فاستخلف عبد الملك على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ، ثم عزله وولّى بشر بن مروان البصرة مع الكوفة فأتاه الكتاب بولاية البصرة وهو يشرب الدواء الكبير ، فقال له الأطباء : إنّ هذا دواء نريد أن تودع نفسك بعده ، فلا تخرج بعده ، فأبى فلما دنا من البصرة تلقاه فيمن [لقيه الحكم بن الجارود ، فقال له : مرحبا وجعله عن يمينه ثم](٢) لقيه الهذيل بن عمران البرجمي فرحب به [وجعله](٣) عن يساره ، ثم لقيه المهلّب ، فلما رآه بشر بينهما قال : هذان شاهدان ، وأميرنا صاحب شراب ، فلم يلبث بالبصرة إلّا أشهرا حتى مات ، فضرّه ذلك الدواء.
وقد روي في موت بشر حكاية غير هذه على وجه آخر.
أنبأنا بها أبو القاسم [العلوي] وأبو الوحش المقرئ ، عن رشأ بن نظيف ، أنبأنا محمد بن القاسم بن الحسين بن محمد المعافري ، أخبرنا أبوا الحسين أحمد بن بهزاد بن مهران ، حدّثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي ، حدّثني الهيثم بن مروان ، حدّثنا أبو مسهر ، حدّثنا الحكم بن هشام قال : ولّى عبد الملك بن مروان أخاه بشر بن مروان العراقين قال : فكتب إليه بشر حين [وصل](٤) : أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك اشغلت إحدى يديّ وهي اليسرى ، وبقيت اليمنى فارغة لا شيء فيها. قال : فكتب إليه فإن أمير المؤمنين قد أشغل يمينك بمكة والمدينة والحجاز واليمن ، قال : فما بلغه الكتاب حتى
__________________
(١) إعجامها غير واضح بالأصل ولعل الصواب ما أثبت وفي م والمختصر والمطبوعة ١٠ / ١٢٦ «جبنك».
(٢ و ٣) ما بين معكوفتين في الموضعين زيادة عن مختصر ابن منظور ٥ / ٢١٥ والمطبوعة ١٠ / ١٢٦.
(٤) زيادة للإيضاح عن م.