الجغرافي ، وبخاصة فإن المسيحية كانت قد استقرت في كثير من هذه الولايات الرومانية الشرقية ، حتى اضطر الإمبراطور قسطنطين في عام ٣١١ م ، إلى السماح بانتشار المسيحية في بلاده (١) ، وهنا بدأ الرومان يفكرون في استغلال الدين لضم بلاد العرب الجنوبية إلى إمبراطوريتهم ، فعمدوا إلى ارسال البعثات التبشيرية لتلك البلاد ، لنشر المسيحية بين أهل الحضر والبادية من جهة ، ولتهيئة الأفكار والنفوس لقبول النفوذ الروماني من جهة أخرى (٢).
لقد كان العالم وقت ذاك ـ كما هو الآن ـ منقسما إلى جبهتين شرقية وغربية ، أو الفرس والروم ، ولكل أتباع من الدويلات الصغيرة ورؤساء القبائل ، وفي هذه الظروف عمل الروم على الهيمنة على بلاد العرب ، أو ابعادها عن النفوذ الفارسي على الأقل ، وعمل الفرس من ناحية أخرى على تحطيم كل جبهة عربية تعمل لمصلحة الروم ، فضلا عن منع السفن الرومية من الدخول إلى المحيط الهندي ، والاتجار مع بلاد العرب ، ولجأ الروم إلى الدين كوسيلة لبسط نفوذهم على شبه الجزيرة العربية ، فأرسلوا المبشرين لنشر المسيحية بين القوم ، وطلبوا من الأحباش مساعدتهم في أداء مهمتهم هذه ـ الدينية في الظاهرة ، السياسية أو قل الاستعمارية في الواقع ، وأتخذ الفرس من النصرانية ـ المخالفة في المذهب لنصرانية الروم ـ وكذا اليهودية ، وسيلتهم لمعارضة نفوذ الروم والأحباش ، وهكذا يبدو واضحا أن الروم ـ وكذا الفرس ـ لم يقصدوا وجه الله من نشر المسيحية أو اليهودية ، وإنما كانت الأغراض السياسية والمطامع الاستعمارية هي الهدف أولا وأخيرا ، ولعل مما يؤيد وجهة النظر هذه ، أن أبرهة الحبشي لم يقتصر على القضاء على ذي نواس واحتلال
__________________
(١) فؤاد حسنين : المرجع السابق ص ٣٠١
(٢) إسرائيل ولفنسون : المرجع السابق ص ٣٦