المبارك حتّى في ليلة الحادي عشر عندما رأت تلك المصائب التي تجعل رأس الطفل شيباً كانت تصلّي من جلوس وإلى ذلك يشير الإمام السجّاد عليه السلام فيقول : إنّ عمّتي زينب لم تترك صلاة الليل رغم شدّة تعبها ، وقد رأيتها في أحد المنازل تصلّي صلاة الليل من جلوس ، ولمّا سألتها عن ذلك قالت : منذ ثلاثة أيّام وأنا أُقدّم طعامي إلى الأطفال ولشدّة الجوع عجزت عن الصلاة من قيام.
نعم ، فلولا جهاد السيّدة زينب في كربلاء والكوفة والشام لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ومن الدين إلّا رسمه.
لقد بلغت السيّدة زينب عليها السلام درجة في التسليم والرضا بقضاء الله تعالى أنّها عافت العزّ والجاه الذي كان في بيت زوجها وخرجت إلى كربلاء ـ بعد إذن زوجها طبعاً ـ لتنصر دين الله تعالى وتؤازر إمام زمانها سيّد الشهداء عليه السلام الذي خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه رسول الله صلى الله عليه واله.
وفي واقع الأمر إنّ هذا هو قمّة الزهد ، حيث يتخلّى الإنسان عن كلّ شيء ويخرج من أجل نصرة الدين وإعلاء كلمة الله في الأرض (١).
ذكر الجزائري فقال : عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة كانت العقيلة زينب عليها السلام تفسّر لنساء الكوفة القرآن الكريم في بيتها.
وفي أحد الأيّام كانت تفسّر قوله تعالى «كهيعص» (٢) فدخل أمير المؤمنين عليه السلام الدار وقال : سمعتك تفسّرين قوله «كهيعص» قالت : نعم يا ابتاه ، قال : أما أنّها رموز للمصائب التي تنزل بكم آل الرسول صلى الله عليه واله ثمّ أخذ يعدّد لها المصائب التي ستنزل بهم يوم
__________________
(١) رياحين الشريعة ج ٣ ص ٦٣.
(٢) سورة مريم : ١.