الامبراطور لا يعتني بك ولا يستقبل رسالتك ، فقال دحية بما معناه : إنّي ما قطعت كلّ هذه المسافات إلّا لأقضى على هذه التقاليد المنحرفة ، ثمّ إنّي لم أُمر بهذا بل أُمرت أن أوصل رسالة النبي محمّد صلى الله عليه واله إلى قيصر يدعوه فيها إلى ترك عبادة البشر ، وأنّه لا معبود إلّا الله تعالى ولا يُسأل الناس إلّا عن عبادته ، بهذا أعتقد وبه أُمرت فكيف تطلبون منّي أن أسجد لغير الله تعالى؟
فأخذ هذا القول الرصين موقعه من قلوب حاشية الملك ونظروا إليه بنظرة الإعجاب والإكبار ، لأنّه يدلّ على استقامته وصلابته في الاعتقاد ثمّ تقدّم إليه أحد الصلحاء من حاشية الملك قائلاً : تستطيع أن تضع كتابك على طاولة الملك هذه لأنّ رسائل الملك لا يطلّع عليها إلّا هو ، وعندما يقرأها سوف يبعث خلفك فامتثل دحية لذلك وشكره على نصيحته وتركه. وعندما جاء قيصر تناول الرسالة وقرأها وكان فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمّد بن عبدالله إلى هرقيل عظيم الروم ، سلام على من اتّبع الهدى.
أمّا بعد : فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّما عليك إثم (الاريسين) ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإنّ تولّوا فقولوا بأنّا مسلمون. محمّد رسول الله (١).
٤ ـ نفوذ الإسلام في الشام :
في العام ١٤ ه الموافق للنصف الأوّل من القرن السابع الميلادي التحقت الشام بالبلاد الإسلامية وذلك حينما زحفت الجيوش الإسلامية ـ إبان خلافة أبي بكر ـ نحو الشام لتخوض حرباً مع هرقل «هراكليوس» امبراطور الروم الشرقية ، في الأردن وفلسطين وقد انتصر المسلمون في حروبهم هذه وهزم هرقل ورجع القهقرى إلى دمشق ،
__________________
(١) انظر البحار ج ٢٠ ص ٣٨٦ / المترجم.