لمّا مرض معاوية مرضه الذي هلك فيه دعا يزيداً ابنه وقال له : يابني إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب وجمعت لك من جمع واحد وإنّي لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتبّ لك إلّا أربعة نفر من قريش : الحسين بن علي ، وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن أبي بكر ، فأمّا عبدالله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحدٌ غيره بايعك ، وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رحماً ماسّة وحقّاً عظيماً ، وأمّا ابن أبي بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ليس له همّة إلّا في النساء واللهو ، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إرباً إرباً (١) وقال المحدّث القمّي : والصحيح إنّ عبدالرحمن ابن أبي بكر كان قد توفّي قبل موت معاوية (٢).
إنّ والد يزيد هو معاوية وأُمّه ميسون ، وكان ـ يزيد ـ قد سكن الصحراء ثمّ تعلّم على يد سرجون الرومي وقد ورث يزيد من أبيه الحقد والكره والعداوة لبني هاشم وآل النبي صلى الله عليه واله ، كما طغت عليه صفات البداوة قبيل الغرور والتصوّرات الخرافية والطباع الجاهلية والإدمان على شرب الخمر ، والعداء التقليدي للإسلام والمسلمين الذي تعلّمه من معلّمه المسيحي الرومي.
وقد عُلِمَ تأريخياً أنّ يزيد لم تكن له أيّة صلة تربطه بالدين ، فهو شاب عاش في عهد أبيه بعيداً عن أُصول الدين الإسلامي ومبادئه وأخلاقه بل قضى أغلب أوقاته في
__________________
(١) نفس المهموم ص ٢٩.
(٢) المصدر نفسه.