دخل ثابت بن عبد الله بن الزبير على عبد الملك بن مروان ـ وهو صبي صغير ـ فقال له عبد الملك : ألا تنبئني لم كان أبوك يشتمك ويبعدك ، إني لأحسبه كان يعلم منك ما تستحقّ منه أن يفعل ذلك بك؟ فقال : إذن أخبرك يا أمير المؤمنين : كنت أشير عليه فيستصغرني ويردّ نصيحتي ، من ذلك أني نهيته أن يقاتل بأهل مكة ، وقلت له : لا تقاتل بقوم أخرجوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأخافوه ، فلما جاءوا إلى الإسلام أخرجهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يعرّض بجدّه الحكم بن أبي العاص حين نفاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونهيته عن أهل المدينة وذكّرته أنهم خذلوا أمير المؤمنين عثمان ، وتقاعدوا عنه حتى قتل بين ظهرانيهم ـ يعرّض ببني أمية وأبيه مروان ـ فقال عبد الملك : اسكت لعنك الله ، فأنت كما قال الأول : شنشنة أعرفها من أخزم (١).
قال ثابت : إني لكذلك في حلمي السلف ، غير جبان ولا غدار ـ يعرّض بغدره بعمرو بن سعيد بن العاص (٢) ـ وإني لكما قال كعب بن زهير (٣) :
أنا ابن الذي يحزني في حياته |
|
ولم أخزه لما (٤) تغيّب في الرّجم |
أقول شبيهات بما قال عالم (٥) |
|
بهنّ ومن أشبه أباه فما ظلم |
فأشبهته من بين من وطئ الثرى (٦) |
|
ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ |
أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنّا قالا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أخبرنا
__________________
(١) الرجز لأبي أخزم الطائي ، جد أبي حاتم أو جد جده ، وكان له ابن يقال له أخزم فمات أخزم وترك بنين فوثبوا يوما في مكان واحد على جدهم أبي أخزم فأدموه فقال :
إن بنيّ زملوني بالدم |
|
من يلق أبطال الرجال يكلم |
ومن يكن درء به يقوم |
|
شنشنة أعرفها من أخزم |
كأنه كان عاقا ، والشنشنة : الطبيعة ، أي أنهم أشبهوا أباهم في طبيعته وخلقه. (اللسان) وفي العقد الفريد ٥ / ٩٩ أخزم : فحل كريم.
(٢) وهو الأشدق ، وكان عبد الملك بن مروان قد قتله بعد أمانه سنة ٧٠ ه وقال له : قلما اجتمع فحلان في إبل إلّا أخرج أحدهما صاحبه ، انظر في مقتله الطبري وابن الأثير وتاريخ خليفة.
(٣) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ٨٣ عن قصيدة بعنوان «أتعرف رسما».
(٤) في الديوان : «حتى تغيب» وفي اللسان «رجم» : حتى أغيب.
(٥) الديوان : قال عالما.
(٦) صدره في الديوان : وأشبهته من بين وطئ الحصى.