ذهبت نفسي (١) بطاعتي نفسي |
|
وتذكرت طاعة الله نضوا |
قد أسأنا كل الإساءة يا (٢) ربّ |
|
فصفحا عني إلهي وعفوا |
ثم أطرق وانصرفت ، فلما كان اليوم السابع دخلت عليه فقلت له كيف تجدك يا أبا نواس؟ قال : أجدني قائلا :
إني وما سمعت من صفد |
|
وحويت من سبد ومن لبد |
همم تصرّفت الخطوب بها |
|
فغدوت من بلد إلى بلد |
يا ذا الذي حسمت قناعته |
|
كل المطامع من غد فغد |
لو لم تكن لله متهما |
|
لم تمس محتاجا إلى أحد |
ثم أطرق فتركته وانصرفت. فلما كان في اليوم الثامن جئت لأدخل فلقيني الغلام ومعه رقعة مختومة فسألته عنه فقال : أعظم الله أجرك في أبي نواس توفي ، وقد كان كتب إليك هذه الرقعة قبل موته فقرأتها فإذا فيها (٣) :
شعر حيّ أتاك من لفظ ميت |
|
صار بين الحياة والموت وقفا (٤) |
لو تأملتني وأبصرت وجهي |
|
لم تجد من مثال رسمي حرفا (٥) |
نفس خافت وجسم نحيل |
|
أرمضته (٦) الأسقام حتى تعفّى |
فجئت معه إلى منزل أبي نواس فإذا به قد مات ، ونظرت فيما خلف وإذا ما مقداره ثلاثمائة درهم (٧) ، وإذا بين مخدتيه رقعة مكتوب فيها هذا الشعر (٨) :
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة |
|
فلقد علمت بأن عفوك أعظم |
__________________
(١) الديوان وأخباره لأبي نواس : «جدتي» وقد كتبت اللفظة بالأصل فوق كلمة : «نفسي» بخط مغاير.
(٢) الديوان : فاللهم صفحا عنا وغفرا وعفوا.
(٣) الأبيات في ديوانه ص ٥٨٠.
(٤) الديوان : شعر ميت في لفظ حيّ.
(٥) رواية الديوان :
لو تأملتني لتثبت وجهي |
|
لم تبن من كتاب وجهي حرفا |
(٦) الديوان : وتكررت طرف عينك فيمن قد براه ..
(٧) نقل ابن منظور في أخبار أبي نواس ص ٣٠٩ عن زكريا القشاري قال : كان ما سلمته لوالدة أبي نواس من تركته ما قيمته أقل من مائتي درهم والذي خلّفه هو قمطر فيه دفاتر وأضابير وجزازات قراطيس فيها نسخ أشعار وغريب ألفاظ ونرد وشطرنج وعود وطنبور.
(٨) الأبيات في ديوانه ص ٦١٨ وأخبار أبي نواس ص ٣١١ ووفيات الأعيان ٢ / ١٠٣.