وهكذا يمكننا القول إن ما تمتلئ به صفحات سفر يشوع من غزوات لا تعد وما اعتاده الرحل أن يمارسوه من غارات قبلية على السكان المستقرين الآمنين في كنعان ، والذين كانوا يعيشون في تلك الفترة شيعا وأحزابا ، لا تربطهم رابطة ولا يجمعهم حلف واحد ، فإذا أضفنا إلى ذلك حروب رعمسيس الثالث ضد شعوب البحر ، وانشغال مصر بتلك الحروب ، فضلا عن ضياع دولة الحيثيين على أيدي شعوب البحر ، هذا إلى جانب ما كان يمر به العراق القديم من فترة ضعف تشبه تلك التي كانت تمر بها مصر في أخريات أيام الأسرة العشرين ، وهكذا كانت الظروف التي كانت تمر بها دول الشرق الأدنى القديم وشعوبه ، والتخلخل الموجود في سورية وفلسطين في أعقاب غزوات شعوب البحر ، الأمر الذي أعطى بنو إسرائيل فرصة شن بعض الغارات البربرية الناجحة في بعض مدن شرق فلسطين بدرجة تكفي لأن يبدأ يشوع من تنظيم حياة قومه السياسية والدينية ، وأن يقسم الأرض المحتلة بين الأسباط طبقا لعدد كل سبط ، وأن يشيد في شيلوه (سيلون الحالية ، ١٧ ميلا شمال القدس) محرابا مركزيا يتخذه مركزا للتابوت الذي كان يستخدم كرمز لوحدة القوم السياسية والدينية (١).
(٢) عصر القضاة :
يبدأ عصر القضاة بموت يشوع بن نون وينتهي بقيام الملكية على يد طالوت (شاؤل في التوراة) وتستغرق هذه المرحلة من تاريخ بني إسرائيل ما بين أربعة قرون وقرن واحد من الزمان ، على اختلاف في الرأي (٢) ، والرأي
__________________
(١) I.Epstein ,Op ـ Cit ,P.٣٣.
(٢) أعمال الرسل : ١٣ / ٢٠ ، شاهين مكاريوس : المرجع السابق ص : ٨ ، فيليب حتى : المرجع السابق ص : ١٩٥ ، باروخ سبينوزا : المرجع السابق ص : ٢٩ ـ ٢٩٤ ، وكذا O. Eissfeldt, The PeriodF The Judges. In CAH, II, Part, ٥٥٣.p ، ١٩٧٥ ، ٢ وكذاGroy ,Op.cit ,P. ١١٢. M. B. Bowton. The Early period of The Judges in Israel, Cambridge. ١٩٦٥ وكذا.