النبوة والملك ، ونسوا أيضا أنهم ربطوا سليمان بملوك أربعة ، منهم على الأقل كافران ، فإذا كان هذا الملك الواسع المساحات هو المراد من دعاء النبي الكريم : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ، فهم إذن قد ساووا بين سليمان عليهالسلام ، وبين هؤلاء الثلاثة (نمرود وبختنصر وذو القرنين) في هذا الملك الواسع العريض ، وهذا ما لم يقل به أحد.
وهكذا يبدو واضحا أن سياق الآيات الكريمة ، كما أشرنا من قبل ، إنما يشير إلى أن الزيادة التي أوتيها سليمان عليهالسلام في ملكه والمعبر عنها بقوله : (مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) هي إيتاؤه بعض المعجزات التي لم تكن لغيره من الأنبياء عليهمالسلام ، بدليل التعقيب عليه بقوله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ، وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ، المتضمن استجابة الله تعالى لدعائه ، مفتتحا بالفاء الدالة على الربط والتعقيب والترتيب (١).
(٨) القدس عاصمة سليمان : ـ
تقع القدس على مبعدة ١٤ ميلا إلى الغرب من البحر الميت ، ٣٣ ميلا إلى الشرق من البحر المتوسط ، وقد عرفت بأسماء كثيرة ، حيث أطلقت عليها التوراة أو العهد القديم اسم «أريئيل» (إشعياء ٢٩) ومدينة العدل (إشعياء ١) والمدينة (مزمور ٧٢) ومدينة الله (مزمور ٤٨) ومدينة الحق (زكريا ٨) ومدينة القدس (نحميا ١١) وجبل القدس (إشعياء ٢٧) والمدينة المقدسة (متى ٤) ومدينة داود ، وأما أسماؤها العربية فهي : بيت المقدس والمقدس والقدس الشريف ، أما الإسم الغالب فهو «القدس» ، والذي يبدو أنه رافق المدينة منذ بداية تاريخها ، غير أن أشهر اسمين للمدينة إنما هما القدس وأورشليم.
__________________
(١) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ١١٤ ـ ١١٥.