وفي هذا دليل على أن زكريا عليهالسلام كان لا يولد له ، وكذلك امرأته كانت عاقرا من أول عمرها ، بخلاف إبراهيم وسارة عليهماالسلام ، فإنهما إنما تعجبا من البشارة بإسحاق لكبرهما ، لا لعقرهما (١) ولهذا قال : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ، مع أنه كان قد ولد له من قبله إسماعيل بثلاث عشرة سنة وقالت امرأته : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ، قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ، رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٢)
وأخرج الإمام أحمد في الزهد ، وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد أن «سميا» بمعنى شبيها ، وروى عن عطاء وابن حبير مثله أي لم نجعل له شبيها ، حيث أنه لم يعصي ولم يهم بمعصية ، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردوية عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : ما من أحد من ولد آدم ، إلا وقد أخطأ أو همّ بخطإ ، إلا يحيى بن زكريا عليهماالسلام ، لم يهم بخطيئة ولم يعملها» ، وعن ابن المسيب قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من أحد يلقي الله يوم القيامة إلا أذنب ، إلا يحيى بن زكريا» ، وقال قتادة : ما أذنب ، ولا همّ بامرأة ، والأخبار في ذلك متظافرة ، وقيل لم يكن له شبيه لذلك (٣).
هذا وقد وصف الله تعالى نبيّه يحيى عليهالسلام في سورة آل عمران بأربع صفات ، قال تعالى : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) (٣) (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ
__________________
(١) هذا صحيح بالنسبة لسيدنا إبراهيم عليهالسلام ، أما السيدة سارة فقد كانت عجوز عقيم ، كما أخبرنا القرآن الكريم في سورة الذاريات : آية ٢٩.
(٢) سورة هود : آية ٧٢ ـ ٧٣ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨١ ـ ١٨٢.
(٣) روى أنه سمي «يحيى» لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه أو لأن الله تعالى أحيا قلبها لإيمان والطاعة ، والله تعالى سمي المطيع حيا والعاصي ميتا بقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) وقال تعالى : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ، أو لأنه يحيا بإرشاد الخلق وهدايتهم أو