من السوء بما ينال به بني آدم ، وثانيها : قال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن ، يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما ما شاهدهم قط ، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم ، فأكرم الله يحيى عليه الصلاة والسلام ، فخصه بالسلام عليه في هذه المواطن الثلاثة ، وثالثها : قال عبد الله بن نفطويه : «وسلام عليه يوم ولد» ، أي أول ما يرى الدنيا ، و «يوم يموت» أي أول يوم يرى فيه أول أمر الآخرة ، و «يوم يبعث حيا» أي أول يوم يرى فيه الجنة والنار ، وهو يوم القيامة ، وإنما قال «حيا» تنبيها على كونه من الشهداء لقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ، وقال ابن عطية : الأظهر أن المراد بالسلام : التحية المتعارفة والتشريف بها ، لكونها من الله تعالى في المواطن التي فيها العبد في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله عزوجل ، وروى ابن جرير في التفسير بسنده عن قتادة أن الحسن البصري قال : «إن يحيى وعيسى التقيا ، فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال الآخر : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له عيسى : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلها (ورواه الإمام أحمد في الزهد عن الحسن أيضا ، كما ذكره الألوسي في روح المعاني) (١).
استشهاد يحيى عليهالسلام : ـ
ترجع المصادر النصرانية قتل يحيى عليهالسلام ، وهو يوحنا المعمدان عندهم ، إلى أن «هيرودوس أنتباس» (٦ ـ ٣٩ م) حاكم اليهودية من قبل الرومان ، أراد أن يتزوج من «هيروديا» امرأة أخيه «فيلبس» ، إلا أن يوحنا المعمدان (يحيى عليهالسلام) أفتى بعدم الزواج لأنها لا تحل له ، ومن ثم فقد قرر هيرودوس التخلص منه ، إلا أنه خشي غضب القوم الذين كانوا
__________________
(١) تفسير الطبري ١٦ / ٥٨ ـ ٥٩ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٠.