وكان قد بلغ سن الكمال أربعين سنة (١) وأنزل عليه الزبور ، فيه مواعظ وأذكار ، وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب ، وهكذا أسس داود ، وكذا ولده سليمان من بعده ، مملكة التوحيد ، تؤمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وسط عالم مشرك ، ولم يجتمع النبوة والملك لأحد قبلهما أو بعدهما من بني إسرائيل ، هذا وقد ذكرت قصتهما في القرآن الكريم مطولة أحيانا (٢) ، ومختصرة أحيانا أخرى ، وأحيانا يذكران معا ، وأحيانا يفرد أحدهما عن الآخر ، ففي سورة البقرة يحكي الله تعالى أن داود كان في جيش طالوت ، وأنه قتل جالوت ، وأن الله آتاه من أجل ذلك الكتاب والحكمة وعلمه مما يشاء (٣) ، وفي سورتي النساء والأنعام يذكران معا على أنهما من الأنبياء الذين أوحى الله إليهم وأنهما من نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام (٤).
هذا وقد خص الله تعالى داود عليهالسلام بكثير من المعجزات ، منها (أولا) تسخير الجبال معه يسبحن بكرة وعشيا قال تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) (٥) ، ومنها (ثانيا) ترجيع الطير معه كلما قرأ
__________________
ـ داود وسليمان عليهماالسلام (انظر ابن حزم : الفصل في الملك والأهواء والنحل : ٥ / ٨٧ ، محمد بيومي مهران : النبوة والأنبياء عند بني إسرائيل ص : ٧١ ـ ٧٧ ، محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ص : ١٠ ـ ١١).
(١) يكاد يجمع العلماء على أن النبوة لا تكون إلا بعد بلوغ سن الأربعين ، وقد أبطل ابن قيم الجوزية ما ذهب إليه البعض من أن عيسى بعث وهو في الثلاثين من عمره ، وأما قوله تعالى في حق يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) فالمراد الفهم والفقه في الدين كما فسره ابن عباس ، وهو غير الحكمة المفسرة بالنبوة في آية البقرة : ٢٥١ ، وسنعود للموضوع ثانية عند الحديث عن يحيى وعيسى (زاد المعاد : ١ / ٢١ ، تفسير الكشاف : ٢ / ٥٠٤ ، عويد المطرفي : داود وسليمان في القرآن والسنة ـ مكة المكرمة : ١٩٧٩ ص : ٣٣).
(٢) سورة الأنبياء آية : ٧٨ ـ ٨٢ ، النمل آية : ١٥ ـ ٤٤ ، سبأ آية : ١٠ ـ ١٤ ، ص آية : ١٧ ـ ٢٦.
(٣) سورة البقرة آية : ٢٤٩ ـ ٢٥١.
(٤) سورة النساء آية : ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الأنعام آية : ٨٤.
(٥) سورة ص آية : ١٨.