المنار ، فإن للعلماء هنا طريقتين ، إحداهما ، وهي المشهورة ، أنه رفع بجسمه حيّا ، وأنه سينزل في آخر الزمان ، فيحكم بين الناس بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم ثم يتوفاه الله تعالى (١) ، ويقول الفخر الرازي : معنى قوله : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي متمم عمرك ، فحينئذ أتوفاك ، فلا أتركهم حتى يقتلوك ، بل أنا رافعك إلى سمائي ، ومقربك بملائكتي ، وأصونك عن أن يتمكنوا من قتلك ، وهذا تأويل حسن ، وهناك وجه آخر في تأويل الآية هو : أن الواو في قوله : (مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) تفيد الترتيب ، فالآية تدل على أنه تعالى يفعل به هذه الأفعال ، فأما كيف يفعل ، ومتى يفعل ، فالأمر فيه موقوف على الدليل ، وقد ثبت الدليل أنه حي ، وورد الخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنه سينزل ويقتل الدجال» ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك (٢).
وأما الطريقة الثانية ، فيما يرى الأستاذ الإمام ، فهي أن الآية على ظاهرها ، وأن التوفي على معناه الظاهر المتبادر منه وهو «الإماتة العادية» وأن الرفع يكون بعده ، وهو رفع الروح (٣) ، يقول الفخر الرازي : إني «متوفيك» أي مميتك ، وهو مروي عن ابن العباس ومحمد بن إسحاق ، قالوا : والمقصود أن لا يصل أعداؤه من اليهود إلى قتلة ، ثم أنه بعد ذلك أكرمه بأن رفعه إلى السماء ، ثم اختلفوا على ثلاثة أوجه ، أحدها : قال وهب توفي ثلاث ساعات ، ثم رفع ، وأخرج الحاكم عنه أن الله تعالى توفي عيسى سبع ساعات ثم أحياه ، وأن مريم حملت به ولها ثلاث عشرة سنة وأنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين ، وأن أمه بقيت بعد رفعه ست سنين ، وثانيها : قال محمد بن إسحاق توفي سبع ساعات (وهو قول لوهب كما رأينا) ثم أحياه الله ورفعه ، وثالثها ، قال الربيع بن أنس : أنه تعالى توفاه حين رفعه إلى السماء ، قال
__________________
(١) تفسير المنار ٣ / ٢٦٠.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٦٧.
(٣) تفسير المنار ٣ / ٢٦٠.