وكذلك ثبت أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية حكما عدلا مقسطا ، ويراد بالتوفي الاستيفاء ، ويراد به الموت ويراد به النوم ، ويدل على كل واحد القرينة التي معه ، وقال القاضي عياض في شرح مسلم : نزول عيسى وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله ، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن يوافقهم ، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا نبي بعدي» ، وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ ، وهذا استدلال فاسد لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليهالسلام أن ينزل نبيّا ينسخ شرعنا ، ولا في الأحاديث شيء من هذا ، بل صحت الأحاديث أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ، ويحيى من أمور شرعنا ما هجره الناس ، وقد نقله النواوي في شرح مسلم وأقره ، وقال المناوي في شرح الجامع الصغير : أجمعوا على نزول عيسى عليهالسلام نبيّا ، لكنه بشريعة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وقال «السفاريني» في شرح عقيدته : نزول المسيح عيسى بن مريم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه ، وقد انعقد الإجماع على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية (١).
وأما الرأي الثاني ، ويقول به بعض علماء المسلمين ، ويذهب إلى أن المسيح عليهالسلام قد توفي فعلا ، بعد أن نجاه الله من مؤامرة اليهود ، ولم يمكنهم من قتله وصلبه ، ومن ثم فإن معنى قوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) (٢)
__________________
(١) حمود التويجري : المرجع السابق ص ١٠١ ـ ١١٣.
(٢) سورة النساء : آية ١٥٨.